بحـث
المواضيع الأخيرة
الاستعارة الحجاجية بين أرسطو وشايم بيرلمان
صفحة 1 من اصل 1
الاستعارة الحجاجية بين أرسطو وشايم بيرلمان
الاستعارة الحجاجية بين أرسطو وشايم بيرلمان
محمد الولي
إن الثورة التي فجرها بيرلمان تتمثل في التعديل الذي أحدثه في النظام الأرسطي. وبالخصوص في التمييز بين الحجج المنطقية Logos والحجج المرتبطة بطبائع الخطيب ethos والمتلقي pathos وبين الأساليب الخطابية. لقد أدرج الفيلسوف الإستاجيري الحجج القائمة على المقارنة والتمثيل والشاهد ضمن مبحث الكتاب الأول من الخطابة وعاد في الكتاب الثالث الذي كرسه للأساليب لكي يتحدث عن الاستعارة. والمثير حقا هو أن المقارنة والشاهد يرتبطان بالاستعارة ارتباطا وثيقا. وبعابرة أخرى فإن التمييز الأرسطي بين الحجج والمحسنات الأسلوبية يتهاوى، أمام الاختبار الدقيق. إننا نفاجأ بالشبه البعيد والمثير بين المقارنة والاستعارة. إنهما معا يقومان على المشابهة، أي على النظر إلى شيء من خلال شيء آخر شبيه. هذا التصور التمييزي الذي احتفظت به كل البلاغة العتيقة بين المقومات الحجاجية والمقومات الأسلوبية الزائدة أو التزيينية هي التي تفرغ لها شايم بيرلمان. لقد سهل عليه المهمة تبنيه لأطروحة أساسية وهي تسليمه بأن كل المقومات التي اعتبرت عند المتقدمين مجرد محسنات هي عنده مقومات حجاجية إقناعية. وهذا هو الذي ساعده على تلافي " خطإ " أرسطو الذي تحدث عن الاستعارة في مبحثين اثنين وهما، اعتبارها تارة مقوما حجاجيا (تحت تسمية الشاهد) في الكتاب الأول، واعتبارها "محسنا لفظيا "
[1] في الكتاب الثالث. ولقد تمكن بيرلمان من سد هذه الثغرة بالتمييز بين أربعة أنماط من المقومات الحجاجية:
1- الحجج شبه المنطقية
2- الحجج القائمة على بنية الواقع
3- الحجج المبنينة للواقع
4- الحجج القائمة على فرز المفاهيم
والواقع أننا لن نخوض إلا في النوع الثالث من الحجج. أي تلك التي تعيد بناء الواقع. وهذا النمط هو الأخطر من بين كل الأنماط الحجاجية، إذ إنها تتفادى تصيد الترابط الواقعي بين الأشياء. وتتخطى ذلك بابتكار واقع جديد على أنقاض الواقع القائم. إننا سنبين هذا بالانطلاق من مثالين اثنين:
أولهما ينتمي إلى جنس الحجج القائمة على بنية الواقع.وثانيهما ينتمي إلى جنس الحجج القائمة على بنيـنـة الواقع.
إننا نقدم حجة من جنس الحجج القائمة على بنية الواقع حينما نؤكد مثلا أن الأوطان التي يوجد فيها الأغنياء ينبغي أن يوجد فيها بالضرورة الفقراء، نظرا للتلازم بين الظاهرتين، إذ إن الغنى هو التمتع المنفرد بمنتوج الفقراء. ومن هذا أيضا، بما أن فلانا يعاني من الحمى فهو بالضرورة يشكو من مرض ما. ومنه أيضا، بما أن هذه السيارة تبث الكثير من الدخان حينما تسير فإن محركها هو بالضرورة قديم ومعلول. نلاحظ في كل هذه الأمثلة تلازما وترابطا في اللحظة والآن بين ظاهرتين متلازمتين.
ويمكن لهذا التلازم أن يتوزع على لحظتين زمنيتين. مثال ذلك : بما أن الوطن يعرف ارتفاعا ملحوظا في أعمار الناس، فقد سبقت هذه الظاهرة ، بالضرورة، ارتفاع وتحسن النظام الغذائي لدى المواطنين. ومنه أيضا هذا المثال: بما أن عدد الوفيات مرتفع وسط المواطنين، فإن التغطية الصحية ضعيفة ومداخيل الناس هزيلة. بما أن هذا الطالب قد نجح في الامتحان فقد سبق ذلك عمل ومثابرة.
نلاحظ في كل الأمثلة السابقة أننا نثبت فكرة ما بالاستناد على فكرة أخرى تتوزعان في مكانين متعايشين أو في زمانين متعاقبين. ولكن في الحالتين لا يبتكر الإنسان أو الخطيب شيئا من عندياته؛ إذ الأشياء موجودة سلفا فما على الخطيب إلا الإشارة إلى هذا الارتباط المتخذ حجة إقناعية، بما أن هذا موجود فالآخر موجود. بما أن هذا ناجح، فقد سبق الاجتهاد( توزع في زمنين). وبما أن هناك مُحْسنين، فإن هناك معوزين مستفيدين من هذا الإحسان.(توزع في مكان) .هذا المقوم يقوم على الترابط الواقعي أو المرجعي . إن الخطيب لا يبدع شيئا، إنه يكتفي بالملاحظة ورصد الوقائع والربط بين المتعايشات من الأشياء أو بين المتعاقبات.
إلا أن هناك نمطا آخر من الحجج الذي لا يكتفي برصد الوقائع وإنما ينسلخ عنها ويحدث فيها تغييرا غير مرتقب أو غير معهود لنلاحظ قول المتنبي:
فإن تفُق الأنامَ وأنت منهم فإن المسك بعْضُ دم الغَزال
لقد استدل المتنبي على احتمال وجود شخص شريف بقامة سيف الدولة وسط الأنام السفلة والمنحطين واعتبر ذلك أمرا طبيعيا، ليس بالاقتصار على إثبات هذه الواقعة في حد ذاتها. بل بالربط بينها و بين حدث آخر غير متعايش معه داخل المكان وغير متعاقب معه داخل الزمن، بل بالربط بين حدثين متباينين ولكنهما متشابهان. إن كون سيف الدولة، رفيع الطبيعة، لا ينبغي أن يدهشنا، إذ إن هناك ما يناظر هذا في الطبيعة. إن المسك الرفيع الطبيعة هو أيضا يوجد في مادة خسيسة وكريهة وهي دم الغزال. على أن المتنبي لم يضع هذه الحجة بتعقب التجاور المكاني ولا التعاقب الزمني، بل عمد إلى الربط بين هاتين الظاهرتين خارج هذين الإطارين. هناك نرصد العلاقات القائمة داخل المكان أو داخل الزمن، وهنا نبحث عن المتشابهات. وهذه ليست معطى سلفا بل نحن نبتكرها. هذا تدخلٌ واضح في موجودات هذا العالم. ولهذا فإن العلاقة الأولى لا تبتكر شيئا، في حين أن العلاقة الثانية تبتكر كثيرا. العلاقة الأولى علاقة كنائية والثانية علاقة استعارية. العلاقة الأولى نثرية عقلية. والعلاقة الثانية شعرية خيالية.
هنا نعود مرة أخرى إلى ذلك المشكل المثير الذي قلما تناوله البلاغيون الأرسطيون بما يستحقه من العناية. ويتمثل ذلك في كون الفيلسوف الإستاجيري تحدث عن ظاهرتين متشابهتين بل متطابقتين في حيزين مختلفين باعتبارهما ظاهرتين متباينتين فقد تحدث عن الشاهد [2]. أو المقارنة أو التشبيه في الكتاب الأول من الخطابة، باعتبار هذا مقوما حجاجيا إقناعيا، سمي أيضا استقراءا خطابيا. ويقابل هذا المقوم مقوم آخر هو الذي يدعى المضمر. وهذا لا يقوم على تشبيه حالة بأخرى بل يقوم على إدماج حالة خاصة في أخرى عامة، أي إدراج نوع في جنس. مثال ذلك:
كل الطغاة يحتمون بالحرس،
الحاكم الفلاني يحتمي بالحرس،
إذن هو طاغية.
ويدعى هذا المقوم أيضا عند أرسطو استنباطا خطابيا، أو قياسا خطابيا.
ولقد تأثرت البلاغة التقليدية الغربية بالطرح الأرسطي تأثرا بالغا. فحتى حينما استقلت بلاغة المحسنات عن البلاغة الحجاجية ظل الشاهد يحتل خانة خاصة به باعتباره محسنا فكريا مقابل الاستعارة التي اعتبرت محسن كلمة. وذلك يعود إلى توهم أن هذا المحسن هو من جهة أداة إقناعية، وهو من الجهة الأخرى لا يقوم على أي خرق دلالي كما هو الشأن بالنسبة إلى الاستعارة.
إلا أن المدهش حقا هو أن أرسطو قد عاود طرح موضوع الشاهد أو التشبيه أو المقارنة تحت تسمية أخرى تدعى باليونانية إيكُون iconeوترجمتها الحرفية هي "صورة ". والواقع أن الأمر لا يتخطى التشبيه كما يتضح من خلال الأمثلة المقدمة. نكتفي بواحد منها يقول ديموقريطس: « إن الخطباء يشبهون بالمربيات اللواتي يلتهمن اللقمة ويمسحن شفاه الأطفال باللعاب» [3].
هذه إذن نفس الظاهرة مطروحة حينا باعتبارها مقوما حجاجيا وباعتبارها طورا آخر محسنا أسلوبيا. واللافت أيضا هو أن الاستعارة تعرض لها أرسطو في موقعين في كتاب الخطابة. لقد تحدث عنها في باب الشاهد الذي فرعه إلى ثلاثة أجناس وهي الشاهد الواقعي والشاهد الصناعي المحتمل والشاهد الخرافي. يقول أرسطو عن الشاهد الخرافي:
« وأما الخرافة فمثل تلك التي قالها أسطيرخورس بشأن بَالْريس، أو تلك التي قالها إيسوفوس على لسان الطاغية. فإن أسطيرخورس- حين اختار شعب هميرا فَالريسْ طاغية وكان بسبيل أن يوفر له حرسا خاصا- بعد أن أورد عدة حجج حكى خرافة لهم فقال:" يحكى أن فرسا تفرد بمرعى. فجاء أيل فأفسد المرعى، فلما أراد الفرس أن ينتقم لنفسه من الأيل سأل رجلا أن يعاونه على معاقبة الأيل فوافقه الرجل على ذلك، بشرط أن يقبل اللجام وأن يحمله على ظهره وفي يده رمح. فوافق الفرس على هذا الشرط وركبه الرجل، لكنه بدلا من أن ينتقم له من الأيل، صار الفرس من ذلك الوقت عبدا له. قال أسْطيرخوسْ: فهك\ا انظروا أنتم أيضالئلا تصيروا إلى ما صار إليه الفرس. أنتم تريدون الانتقام من أعدائكم. فإنكم قد التقمتم اللجام حيث اخترتم طاغية، فإذا أقمتم له الحرس وخليتموه ليركبكم، فستصيرون عبيدا لبلْريسْ» [4]
صحيح أن أرسطو يتحدث هنا عن المقارنة أو التشبيه أو الخرافة، ولكن أليست هذه في النهاية استعارة ؟هل يجوز التغاضي عن هذه القرابة بين هذين المقومين لمجرد توفر الأداة التشبيهية في حالة وغيابها في حالة أخرى.
وعلى الرغم من الذرائع التي يمكن أن تساق في هذا المقام من قبيل الزعم بأن هذه المقومات ينظر إليها أرسطو بوصفها مقومات حجاجية كما فعل في الكتاب الثاني من الخطابة، وباعتبارها محسنات أسلوبية كما فعل بها في الكتاب الثالث. والحق أن هذه المحسنات أو ما اعتبر محسنات قد ظلت دائما مقومات حجاجية في الكتاب الثالث نفسه.هذا التمزيق لهذه المقومات وهذا التوزع بين مجالي الحجاج والمحسنات يمكن أن نجد له تفسيرا في كون أرسطو كتب الكتابين مستقلا أحدهما عن الآخر بل وكأن الكتاب الثالث "ينسخ" إلى حد ما الكتاب الثاني.
هذا الاختلال هو الذي عالجه بيرلمان.فقد طهر البلاغة الحجاجية من البلاغة المحسناتية.إذن لم يعد هناك مجال تتوزع عليه هذه المقومات.ولهذا فقد احتلت الاستعارة مكانا إلى جانب التشبيه أو المقارنة ضمن الجنس الثالث من أجناس القومات الحجاجية.
هذه واحدة من إضافات بيرلمان إبطال مفعول بلاغة المحسنات، وإدراج الاستعارة والتشبيه ضمن بلاغة الحجاج.وهذا أبطل أبضا تلك الهوية الملتبسة والمزدوجة بين كل من التشبيه والاستعارة. ومن النتائج التي يمكن أن تتولد عن هذا التصور الجديد تقريب الهوة بين الخطاب الحجاجي النفعي الوظيفي والأدب. لقد ورثنا عن أرسطو ليس تصورا للاستعارة وحسب، بل ورثنا عنه أيضا تلك التمييزات الدقيقة بين الاستعارات الحجاجية أو الخطابية والاستعارات الأدبية. ولا يبدو أن بيرلمان يعترف بهذا الفصل.وهذا بديهي طالما أن الأدب هو بدوره في تصوره خطاب حجاجي. فإذا كان الأمر كذلك فما الداعي إلى إفراده بمقومات خاصة كالاستعارة مثلا.فلنتأمل هذه العبارة التي يبطل فيها بيرلمان التمييز العتيق بين المحسنات البلاغية والمقومات الحجاجية.
"إن محسنا لهو حجاجي إذا كان استعماله، وهو يؤدي دوره في تغيير زاوية النظر، يبدو معتادا في علاقته بالحالة الجديدة المقترحة. وعلى العكس من ذلك، فإذا لم ينتج عن الخطاب استمالة المخاطب، فإن المحسن سيتم إدراكه باعتباره زخرفة، أي باعتباره محسن أسلوب ويعود ذلك إلى تقصيره عن أداء دور الإقناع» [5].
بل إننا نستطيع أن نندهش لكون بيرلمان يستعرض مجموعة من المحسنات البلاغية التي كنا إلى عهد قريب جدا نعتبرها مجرد مزينات للخطاب، والحال أنها من المقومات الحجاجية المكينة.
بدءا من بيرلمان أصبح كل خطاب تندرج فيه شخصية الباث والمتلقي خطابا حجاجيا.وواضح أن الخطابات التي يمكن أن تستثنى من الحجاجية هي الخطابات العلمية التجريبية أو النظرية من قبيل الرياضيات والمنطق الصوري. بل إن الفلسفة نفسها التي لا تستقيم للخطابين الرياضي والتجريبي هي من قبيل الحجاج أو الخطابة الشيء الذي لم يكن ليتبادر إلى ذهن أرسطو. لقد كان البلاغيون التقليديون ينظرون إلى الاستعارة باعتبارها " «تغييرا سعيدا لدلالة كلمة أو عبارة» [6].
إن التصورات التي حظيت بالهيمنة إلى آجال قريبة كانت تعتبر الاستعارة محسنا بيانيا أو شعريا.وأعتقد أن السبب يعود من جهة إلى أرسطو الذي خصها بتلك المواطنة الملتبسة وسط المقومات المحسناتية والمقومات الحجاجية بحصر المعنى.ومن جهة أخرى فقد أجهزت بلاغة المحسنات على الاستعارة فألحقتها بصفة نهائية بالمقومات المحسناتية الترفية والمكتفية بدغدغة الحس الجمالي عند المتلقي.ولعل التفكير الوضعي والعقلاني والتجريبي قد زكيا هذا التطرف وجردا الاستعارة من أية جدارة علمية كيفما كانت.ويعود الفضل إلى شايم بيرلمان في أمر نفي التهمة عن الاستعارة، وذلك باكتشافه أن هناك مجالات شاسعة لا يمكن الخوض فيها بدون اللجوء إلى الاستعارات.إنها إذن مقوم حجاجي بل برهاني أيضا في مجال الإنسانيات لا غنى عنه.وهي تحتل المكانة المرموقة إلى جانب القياس الإضماري والمقارنة والتناسب الأنالوجي شبه الرياضي.الخ . بل إن هناك من العلماء من يذهبون إلى أن العلوم التجريبية نفسها كثيرا ما تزودت من خزانات الاستعارات حينما تعوزها البرهنة الرياضية والتجريبية وحينما تجد نفسها ممضطرة إلى العمل بالاعتماد على الفرضيات .«إن أي تصور للاستعارة لا يلقي الضوء على أهميتها في الحجاج لا يمكن أن يحظى بقبولنا.إلا أننا نعتقد أن دور الاستعارة سيتضح أكثر بربكه بنظرية التناسب الحجاجي.[...] إننا لا نستطيع في هذه اللحظة وصف الاستعارة إلا باعتبارها ،تناسبا مكثفا، ناتجا عن ذوبان عنصر المستعار منه في المستعار له" [7]
ينطلق هذا التحديد الأولي من التحديد الموروث عن أرسطو، وهو التعريف الذي يقدمه في كتابه الشعر.إنها في رأيه « نقل إسم شيء إلى شيء آخر، فإما أن ينقل من الجنس إلى النوع، أو من النوع إلى الجنس، أو من نوع إلىنوع،أو ينقل بطريق المناسبة" [8].
إن النوعين الاستعاريين النقل من النوع إلى الجنس ومن الجنس إلى النوع استقلا بتسمية المجاز المرسل بنوعيه التلازمي synécdoque والإردافي métonymie، واستقل النوعان الباقيان، أي النقل من نوع إلى نوع والنقل بحسب التناسب بتسمبة الاستعارة بحصر المعنى والاستعارة التناسبية.ويذهب بيرلمان إلى اعتبار الاستعارة التناسبية هي الأصل الذي يتفرع عنه نوع الانتقال من نوع إلى نوع.إذن الاستعارة عند بيرلمان هي في الأصل تناسبية دائما.يقول : "الشائع اليوم إطلاق مصطلحي الكناية والمجاز المرسل، اللذين يتعارضان مع الاستعارات، على المجازات حيث نقل الألفاظ قائم على علاقة رمزية (الصليب بدل المسيحية)أو على علاقة الجزء بالكل(الأشرعة بدل السفن)من الجنس إلى النوع (الفانون بدل الإنسان)أو من النوع إلى الجنس.لهذا السبب فإني لن أهتم إلا بالاستعارات التي هي، في تعريف أرسطو قائمة على تناسب والتي هي في الواقع مجرد تناسبات مكثفة" [9].
وهكذا يوضح بيرلمان هذا من خلال أمثلة « فانطلاقا من التناسب" الشيخوخة هي بالنسبة إلى الحياة مثل المساء بالنسبة إلى النهار" يمكن أن نشتق الاستعارات الآتية" شيخوخة النهار"" مساء الحياة"" الشيخوخة مساء» [10].
إن نفس البنية العميقة تسمح باشتقاق كل أنواع الاستعارات. وإذا شئنا أن نبسط المسألة فإننا نقول: إن هناك شيئين أ و ج. ويتسم أ بصفة هي ب. كما يتسم ج بسمة هي د . فإذا كان العمر هو أ، وكان النهار هو ج، وكانت الشيخوخة هي ب ، والغروب هو د ، وكان كل من ب و د تربطه بالحامل علاقة مشابهة، أمكن القول:" شيخوخة النهار" و " مساء العمر" كما يمكن القول:" الشيخوخة مساء". ففي الحالتين السابقتين نكون بصدد استعارة بمعناه المحصور حيث ننتقل من نوع إلى نوع.
إننا سنعمد هنا إلى تعديلات مصطلحية. وبهذا نخص الاستعارة التناسبية بتسمية تناسب والاستعارة غير التناسبية بـ استعارة.
إن العلاقات التي يسمح بها التناسب قد لاتسمح بها الاستعارة . إذ إننا نستطيع بوضع شيئين غير متشابهين في وضع المتشابهين اعتمادا على ربطهما بعلاقة متشابهة. إن التشابه الطارئ في التناسب يُكتسبُ بفضل هذا الربط. ولهذا أمكن القول إن الإمكانيات الابتكارية في التناسب أقوى منها في الاستعارة. إلا أن بيرلمان يلح على اعتبار الاستعارة هي مجرد تناسب حذفت بعض أطرافه.
"إن الاستعارات التي تصاغ على شكل أ هو ج هي الأكثر تضليلا، فقد اعتيد على اعتبارها تطابقا، في حين أننا لا نستطيع فهمها بشكل مرْض إلا بإعادة بناء التناسب وذلك بإرجاع العناصر المحذوفة.ولنلاحظ أن هذه الاستعارة يمكن أن يعبر عنها بطريقة أشد كثافة فتتولد عن التقابل بين صفة ما والواقع الذي تنسب إليه هذه الصفة. حينما نكتب عن محارب شجاع " هذا الأسد ينقََض"، فإننا نضمر هذا المحارب أسد، وهذا يمكن تفسيره بالتناسب " هذا المحارب هو بالنسبة إلى الرجال الآخرين مثل الأسد في علاقته بالحيوانات الأخرى" [11]. ومن الجهة الأخرى فإن الاستعارة التي تستغني عن الملامح المصاحبة لكل من الموضوعthéme والشبيه phore أي عن ب و د بالاقتصار على الطرفين أ و ج . إلا أننا لا نستطيع الزعم إننا نتمكن من استحضار هذه العناصر الملمحية لكل من الموضوع والشبيه. "إن هذه العناصر المحذوفة لا يمكن أن نقول إنها مفترضة، إذ ينبغي التسليم بأن التوحد حينما يحصل ينتج عبارة مكتفية بذاتها؛ إلا أنها تستطيع أن تكون حال التحليل مسترجعة بطرق متعددة. وبهذا فإن استعارة مثل " محيط من العلم الباطل " توحي بوجهات نظر وبمواقف متباينة وذلك تبعا لكون الطرفين ب و د مفهومين بالتتابع باعتبارهما " سابح" و "عالم" أو " جدول" و" حقيقة"؛ أو " أرض صلبة" و " حقيقة" [12].
يضع بيرلمان في هذا النص يده على مسألة بالغة الأهمية وهي تتعلق بالاستعارات الشعرية والاستعارات العلمية أو الحجاجية التي يميل إلى تسميتها تناسبات .فإذا كانت الاستعارات الشعرية أميل إلى الغموض فإن التناسبات العلمية أميل إلى الإفهام . الاستعارات الشعرية قابلة لتأوييلات عديدة والتناسب أميل إلى تأويلات أحادية رغم غموضها الشفيف المحتمل.
وعلى الرغم من كون هذا الرأي قابلا للنقاش، إذ الغموض هو حالة شعرية من حالات عديدة. وإلا فما نقول في الاستعارات الروائية والدعائية والإشهارية؟ إن بعض إشهاريات بينوتون أجدر بقصائد أعظم الشعراء. كما أن استعارات موفقة لشعراء كبار هي أجدر بأكبر الخطباء. إن العبارة الشعرية:
هذه الأرض امرأة
لجديرة بكبار الخطباء ومع هذا فإن شفافيتها لاتنفي عنها سمة الشعر الرفيع. إن الاستعارات الشعرية رغم غموضها في أجناس معينة وفي مراحل محددة لا يمكن أن نعتبرها هي وحدها معدن الشعر. تماما كما لانستطيع أن نعتبر وضوح التناسبات الخطابية هي وحدها الصفة الحجاجية المميزة.
إن غموض الاستعارات الشعرية الذي دافع عنه بيرلمان في العبارة السابقة لهو غموض آني في أغلب الأحوال . ويمكن أن ينتفي بمجرد التمكن من عناصر سياق التوصيل.
والأهم من هذا وذاك أن أحوال التلقي هي التي يمكن أن تحسم الاختيار فيما يعود إلى شعرية هذه العبارة أو تلك. فحينما يرسل غاليليو عبارته الذائعة:
" إن الفلسفة مكتوبة في هذا الكتاب الشاسع الذي يظل مفتوحا أمام أعيننا، إنني أقصد بهذا، الكون. إلا أننا لا نستطيع فهمه إذا لم ننقد بدءا لفهم لغته ومعرفة حروفه التي كتب بها. إنه مكتوب في لغة الرياضيات، وحروفها هي المثلثات والدوائر وأشكال هندسية أخرى يتعذر إنسانيا بدون وساطتها فهم كلمة واحدة. بدونها نجد أنفسنا في تيه عبثي، في دوامة مظلمة" [13].
إنني لا أستطيع أن أرغم المتلقي على اعتبار هذه الاستعارة نثرية وعلمية. بل إن قارئا أو متلقيا يمكن أن يتمطق هذه الاستعارة باعتبارها شعرية. إلا أن هذا الالتباس في نسبة الاستعارة إلى الشعرية وإلى الحجاج كثيرا ما واجهناه ونحن نحاول وضع الحدود للخطاب الذي ندعوه أدبا. وعلى كل حال فإن ماهو شعر وما هو غير شعر لمن الأمور التي يتعذر أن نرسم لها الحدود الدقيقة والواضحة. فلنتأمل مرة أخرى كيف يتأرجح جاكوبسون في مسألة تحديد ماهو شعر وما هو غير شعر:
"إن الحد الذي يفصل الأثر الشعري عن كل ما ليس أثرا شعريا هو أقل استقرارا من الحدود الإدارية للصين . لقد كان موفاليس ومالارميه يعتبران الحلروف الأبجدية أعظم الآثار الشعرية وكان الشعراء الروس يعجبون من الطابع الشعري لبطاقة الخمور (فيازينسكي) ومن قائمة أثواب القيصر( غوغول) ومن مؤشر السكك الحديدية(باسترناك)، بل ومن فاتورة الصبان (كروتشينيك). ويصرح الكثير من الشعراء اليوم أن الاستطلاع أثر فني يكون الفن فيه أشد حضورا من حضوره في الرواية أو الأقصوصة سيكون صعبا علينا لو تحمسنا حاليالـ" القرية الصغيرة الجبلية" والحال أن الرسائل الشخصية لبوزينانمكوفا تبدو لنا بمثابة أثر شعري عبقري" [14].
لهذه الأسباب أعتبر تمييز بيرلمان الاستعارات الشعرية والاستعارات أو التناسبات العلمية والحجاجية تمييزا غير مقنع وغير متماسك. بل إن هناك من الدارسين من يدافع عن كون العلوم الإنسانية على وجه الخصوص لن تقوم بدون الاستعانة بالشعر، بل بالاستعانة بالاستعارات الشعرية. يقول ريتشارد براون : "حينما نؤكد أن الاستعارات ينبغي أن يكون لها معنى، فإننا نكذب ضمنيا كونها لا تستخدم إلا لأغراض زخرفية أو عاطفية وذلك لأجل أن نؤكد عكس ذلك أن للأسلوب وللانفعالات خصائص معرفية. وينطبق هذا على الاستعارات الشعرية كما ينطبق على النماذج العلمية التي هي مجرد استعارات متقنة الصنعة. وفي نظرنا فإن فلسفات العلوم التي لاتسند إلى النماذج إلا قيمة ذاتية أو توضيحية، وتنفي عنها أي دور معرفي مستقل، تسيئ فهم الخصائص الاستعارية والحرفية أو العلمية للغة".
إن حصر بيرلمان الاستعارة المعرفية في الحجاج أو العلم ونفي الاستعارات غير المعرفية إلى ممملكة الشعر هو استئناف للتصورات التي ينتقدها. إن في هذا الموقف آثار الوضعية والعقلانية والتجريبية التي تعتبر مجال المعرفة مقصورا على العلم وأن الشعر لا يقدم معرفة ولا يعلم. وهذا الموقف لم يعد يتمتع اليوم بنفس الحصانة التي كان يتمتع بها فيما مضى. ودون أن نخوض في تفاصيل هذه المسألة نحيل القارئ على كتاب بْراون السابق الذي يقدم براهين وحججا مفيدة في هذا المجال وهو يعفينا من تكلف الدفاع في هذا المقام.
وربما جاز القول إن المشابهة تكون أوضح في التناسب ولا تكون كذلك في الاستعارة. ولأمر ما أصر بيرلمان على اعتبار كل استعارة هي في الأصل تناسب. إنه يشدد على هذه الملامح المعرفية أو الحجاجية. وكأنه ينصح بأن تكون الاستعارة متوفرة دوما على عناصر مشابهة. إذ بدونها لا نستطيع القيام بأدوارها الحجاجية. بل إنني اعتبر التناسب أقرب إلى التشبيه، إذ إن المشبه يحضر إلى جانبه مانعتبره من صفات المشبه به. المدهش هو أن الاستعارة التناسبية التي تتوفر على عناصر تأويلها شأنها شأن التشبيه تبتعد على هذا الصعيد عن الاستعارة بحصر المعنى، إذ إن هذه تفتح مجالات تأويل غير محصورة. ولهذا فإننا نعتبر التشبيه والتناسب تربطهما علاقات وطيدة من هذه الزاوية التأويلية.ولكنهما يرتبطان بعلاقة أخرى هامة وهي أنهما يتوفران، أي التناسب والتشبيه، على إمكانيات ابتكارية وتأليفية بين المتنافرات على ما لا تتطلع إليه الاستعارة بحصر المعنى. وهذ مجال للمناقشة مثير لا يتسع له هذا المقام.
ونستطيع الزعم إن الاستعارات غير التناسبية نظرا لاحتمالاتها التأويلية هي أنسب للتعبير الشعري لا الحجاجي. إننا في التناسب نتوفر على أداة شعرية قوية حجاجيا وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الاستعارة التي تخفي الكثير من العناصر الضرورية في التأويل.
والواقع أن بيرلمان وهو يسعى جاهدا إلى حصر الاستعارية في الاستعارة ذات الطرفين المتلاحمين العاطفيين الممتنعين أمام محاولات تأويل العقلي والبعيدة نسبيا عن التناسب . وبهذا فإن التناسب أتنسب للحجاج والاستعارة هي أنسب للشعر.ونلاحظ مع ذلك أن بيرلمان يعتبر شعرا ماهو غامض. بل ويحصر الشعرية في ما نعهده بهذه التسمية كما أنه أميل إلى نموذج الشعر الرومانسي والرمزي. ولا أعتقد أن هذا التصور هو السائد في حياة الشعر. إن رقعة الشعر هي أعرض بكثير مما يفرضه بيرلمان، كما أن الحدود التي يحاول عبثا إقامتها بين الحجاج والشعر، وتبعا لذلك بين التناسب والاستعارة لهي حدود تمتاز بالهشاشة. إن الكثير من الاستعارات في الشعر هي استعارات واضحة ولا ينفي عنها هذا الوضوح صفة الشعرية.
وهذه الاستعارات غير التناسبية يعتبرها بيرلمان محققة للتوحد بين طرفيها؛ أي الموضوع thème والشبيهphore . والتوحد في نظري هو مجرد تسمية جديد للتطابقidentification الذي كانت تستعمله البلاغة العتيقة.
ويتحقق هذا التوحد الاستعاري تركيبيا في:
النعت ( هذا العرض اللامع)
والفعل ( لقد بدأ يزقزق)
والضمير التملكي (حزيراننا)
والإضافة ( مساء الحياة)
والرابطة الخبرية (الحياة حلم)
وباستعمال الكلمة مفردة في سياق يمنع المعنى الحرفي.
ويمكن أن يتحقق هذا التوحد بواسطة عبارات مركبة العصفور- الشجرة وهذه يدعوها إيسْتيبْ " الاستعارات الخجولة " [15]
والواقع أن بيرلمان يقدم هنا صياغة مختصرة للوصف التركيبي للاستعارة وعلى هذا الصعيد فإننا لا نكاد نجد البلاغيين يختلفون إن شرقا أو غربا حول القوائم التي يقدمونها.
ونقدم هنا الجرد التركيبي أو النحوي الذي وضعته البلاغية الإنجليزية كْريسْتين بْرُوك رُوزْ وهي من أول من بشر بالوصف التركيبي للاستعارة في كتابهاGrammar of metaphor . وترسمت خطواتها مجموعة من الباحثات منها إيرين تامبا ميكْزْ وجوئيلْ تامين. وهذه هي القائمة التي وضعتها روز:
1- الإبدال Simple remplacement ويتمثل ذلك في كون الطرف الخفي يستنبط من السياق مثال ذلك " الزهرة " حينما يقصد بها إلى "ابنتي".
2- استعارة الحضور Pointing Formulaeويتمثل ذلك في كون الاستعارة تحيل على شيء آخر مذكور في السياق.مثال ذلك "هذه الأرض امرأة "
3- الاقتران ويتمثل ذلك حينما ترتبط الكلمتان المستعار له والمستعار منه ارتباطا اقترانيا أو بدليا أو ارتباطا ندائيا:
يا ليل طل أو لا تطل لا بد لي أن أسهرك
4- الاستعارة الإسنادية مثال ذلك قول المتنبي:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا.
ومن تنويعات هذا النمط أ ليس ب. أ ليس ب ولكنه ج و أ هو مجرد ب.
5- الاستعارة التحويلية ج يجعل من أ ب To make
6- استعارة الإضافةle lien genetif مثال ذالك " لجين الماء" أو "ذهب الأصيل"و"أزهار الشر"
ب- استعارة الأفعال."هذه الاستعارات تصنف بحسب العلاقة الاستعارية بين الفعل والفاعل و / أو المكمل .
1- مثال ذلك قول محمود درويش: هذه الأرض التي تمتص جلد الشهداء.
2- ومنه قول الشاعر المتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ج- استعارة الصفاة مثال ذلك: قصائد متوحشة
د استعارة الأحوال مثال ذلك قول المتنبي:
ومراد النفوس أصغر من أن نتعادى فيه وأن نتفـانى
غير أن الفتى يلاقي المنايـا كالحات ولا يلاقي الهوانا
هـ- استعارة الضمائر والصفات التملكية مثال ذلك قول المتنبي :
حببتك قلبي قبل حبك من نأى وقد كان غدارا فكن أنت وافيا
و- استعارة الجار
ز- استعارة الجملة ويتمثل ذلك في كل أنواع التمثيل الأليكوري [16]
ونكاد نجزم أن نفس القوائم العامة نجدها عند الجرجاني وعند جُوئيل تامين وعند إيرين تامبا ميكز [17].إلا أن هذه الأوصاف التركيبية ما كانت لتثير بلاغيا حجاجيا.إن المهمات التي يكرس لها اهتمامه هي مهمات وظيفية، وتحليله إذن هو تحليل تداولي لا ينصب على تحليل النصوص ولكنه ينصب على تحليل وظائفها الحجاجية. وهذه الجوانب الحجاجية في الاستعارة هي التي دفعته إلى انتقاد النظرية الاستعارية التصويرية، وهي النظرية التي صاحبت النظرية الشعرية خلال عمرها المديد. وما تزال هذه النظرية حية إلى يومنا، بل إن هناك اتجاها شعريا يتزعمه الأمريكي إيزْرا باوند يدعي الصورية. ونجد لهذا الاتجاه امتدادات في الأنثروبولوجيا عند جيلبير ديوران وعند المحللين النفسيين أمثال سيجموند فرويد.يقول بيرلمان: «إن التوحد الاستعاري، حتى حينما يتعلق الأمر بتناسبات ذات طابع مشهدي لا تضعنا أمام صورة.إن الأمثلة " زهرة الريشة"و"حزمة أجنحة"و"مركب القشور" ليست إيحادا بشيء ملموس واقعي أو خيالي، يمكن في كامل صفائه، أن يمثل الطائر أو السمكة.إن تصور الاستعارة بوصفها مشتقة من التناسب، والتناسب بوصفه مقابلة علاقات لهو الطريقة التي تبدو لنا الأشد فعالية لمقاومة الخطإ النظري الذي أدانه ريتشاردز بحق وهو الرأي الذي يذهب إلى أن الاستعارة صورة » [18].وبطبيعة الحال فإن بيرلمان حاول، كما حاول المتقدمون من الشكلانيين الروس، أن يبعد شبهة النزوع التصويري عن هذه الاستعارة التوحيدية، إذ إن هذه تعتبر أغنى فنية لكونها تهمش إلى حد ما محتوى الرسالة. وهذا يقوي نزوعها الجمالي التصويري. ولعل بيرلمان يوجه من طرف خفي نقدا إلى أرسطو، قبل بو تيبنيا. لقد ذهب أرسطو إلى أن « الاستعارة المتناسبة تجعل الأشياء تمثل أمام العيون» [19] وبعده ذهب لُونجينوس الذي اعتبر الوصف الرائع يعتمد على رسم الأشياء " وكأننا نراها" [20] وذهب هوراس إلى " أن الشعر هو مثل الرسم" [21] إن العقيدة التصويرية الوصفية ينتقدها بيرلمان لما توحي به من اعتبار الفن تصويرا ووصفا زخرفيا للأشياء، في حين أن الحجاجيين يعتبرونه تحفيزا على الفعل، أو هو دعوة لتعديل الفكر على أقل تقدير.بل إن الوصف نفسه عند الحجاجيين أمثال بيرلمان له دور إثارة الفعل وليس مجرد زخرف وزينة. لهذا كان المشاهد أقوى في توجيه السلوك من الغائب.إن مجرد استحضار الشيء مقنع. ما هو حاضر وماثل أمام أعيننا جدير بأن يثير عنايتنا واهتمامنا ويجعل تصرفاتنا تتأثر بهذا الحضور الفعال.إن الأحداث والأشياء يمكن أن تكون عرضة للإهمال، بل للعدم، لمجرد عدم ذكرها؛ في حين أن التي يمكن تذكر وتوضع تحت الأعين " تواجه حسنا وتصبح بذلك مهمة".ولهذا فإن أمريكا التي تشن اليوم على أفغانستان حربا مدمرة منعت الصحافة من تصوير أي شيء من آثار هذه الحرب الإجرامية.إن مجرد نقل الصور يمكن أن يجعل رد فعل الناس في المعمورة يتخذ له مسارا شبيه بالمسار الذي سار عليه خلال الحرب الفيتنامية .هذا التقديم الحسي له دور حجاجي وليس مجرد أداة جمالية كما يريد له الصوريون. ولهذا فإن مجموعة من المحسنات البلاغية من قبيل: التكرار والتفخيم والتفصيل فالإجمال والترادف الاستدراكي والالتفات الزمني، ليست مجرد محسنات بل أدوات حجاجية. «هذه الأمثلة من المحسنات البلاغية تسمح بالتشديد على وشائج محسنات البلاغة مع نظرية الحجاج» [22].
إن نقد الصورية من الزاوية الحجاجية يقابله نقد آخر لهذه العقيدة وهو نقدها من الزاوية الانفعالية.إن جان كوهن يذهب إلى: «أننا لا نستطيع أن نحدد نمطا من اللغة كلغة عاطفية إلا إذا كانت الدلالة المحمولة بواسطة هذه اللغة شيئا محسوسا.وبالتوازي مع ذلك فإهذكنا نسلم بأن المعنى الأول لكلمة ما من اللغة هو مفهومي، فإن المحسن الشعري هو تغيير للمعنى حسب الخطاطة التالية:
الدال ..............> المفهوم ..............> العاطفة » [23]
إن الصيغة المعدلة التي يقترحها بيرلمان تمكن صياغتها بالشكل التالي:
الدال .............> المفهوم ..............> الفعل "
إن كوهن يتصور أن الفن وكل الوقائع التي يمكن أن توصف بالجمال إنما تستند على هذا التأثير العاطفي الذي يتنافى مع التأثير الحجاجي.هذه الآثار الجمالية لا تنقل موقفا ذهنيا أو عقليا noème بل تنقل حالة انفعالية pathème وهي حالة غامضة بالتحديد.وهذا الاحتكام إلى الوجدان والانفعال يعتبره كوهن أساس التعبير الشعري.
«إن العودة إلى الظاهرة لهي، كما أكدنا ذلك سابقا، الطريقة التي يقوم عليها الوصف الشعري.ففي الدلالات الوجدانية التي يقدمها المظهر المباشر للأشياء يعثر [الوصف الشعري ] على مبدإ تعليله» [24]
والحال أن الحجاجيين لا يسلمون بأن مهمة الخطاب تقوم على وصف العالم وإنما تقوم على تحفيز المخاطب على سلوك ما. والواقع أن مجرد التفكير في تلقين المخاطب صورة ما، ولو كانت عاطفية، عن الأشياء فإننا نكون بصدد الحجاج.ولأمر فإن بعض المحسنات البلاغية التي لا تلقى الكريم عند علماء الشعرية ينوه بها الحجاجيون.إن الاستعارة التي تدعى في البلاغة العربية استعارات غير مفيدة تلقى الترحيب عند بيرلمان ليس لجمالها ولكن لفعاليتها الإقناعية :«حينما يكون اللفظ الاستعاري اللفظ الوحيد الذي يعبر به عن شيء في لغة ما يطلق عليه الاستعارة غير المفيدة{الكتاكريز}مثال ذلك: " قدم الجبل" " ذراع الكرسي". وعلى الرغم من أن هذا الجنس من الاستعارة يبدو منحطا في رأي علماء بلاغة المحسنات فإن بعضهم مثل واتْلي تبعا لستيوارت وكوبْليسْتون يعتبرونها أداة أرفع من الاستعارة الفعالة وذلك لأنها قد فقدت الاتصال مع الفكرة البدئية التي كانت تحيل عليها بالوضع، تماما كما أن سْتيفنْسون يذهب إلى أن هذه الاستعارة، ونظرا إلى أنها لا تقبل إلا تأويلا واحدا، فإنها تقدم دليلا ما raison وهذا على العكس مما يحدث بالنسبة إلى الاستعارة الفعالة التي هي موحية» [25].وبمناسبة الإشارة إلى التناسب فإن بيرلمان يعتبره أشد فعالية في الإقناع، وهو يتفوق في هذا المجال عن الاستعارة بحصر المعنى، أي تلك التي تتحقق فيها خاصية انصهار الموضوع في الشبيه. إن هذا الجنس الانصهاري أقل إقناعية وأشد غموضا ولهذا فهو أكثر مناسبة للشعر لا الحجاج. ولأمر فإن بيرلمان، حسب ما يبدو لي، يعتبر التناسب هو الأصل، ربما لكفاءته الحجاجية ويعتبر الاستعارية الانصهارية مجرد فرع. إن التناسب وبسبب صيغته شبه الرياضية يفرض الإقناعية لأن الأمر يتعلق بتشابه العلاقات لا المواد والجواهر. ولهذا كان من بيت المتنبي:
حاجة الجهُول بلا عقل إلى أدب حاجة الحمار بلا رأس إلى رسن
أشد إقناعية من قوله:
ليالي بعد الظاعنين شْكْول طوال وليل العاشقين طويل
يُبن لي البدر الذي لا أريده ويُخفين بدرا ما إليـه سبيل
فهذه أقل إقناعية من الأولى. إن الأولى تستند على تشابه العلاقات والثانية تقوم على تشابه الجواهر والمواد.
والحال أن هذه الاستعارة الانصهارية ربما اكتسبت التزكية الشعرية عند بيرلمان بسبب غموضها.
ومع أن بيرلمان لا يتحدث إلا باعتباره عالم حجاج فإنه لا يتجاهل الطبيعة الشعرية والفلسفية للاستعارة .إنها أداة إمتاع شعري جمالي وهي أيضا أداة ابتكار فلسفي.إلا أننا مع ذلك لا نستطيع دائما أن نحسم دائما الاختيار.إذ هل نعتبر الشاعر المستخدم لاستعارات فريدة متفلسفا أم أننا نعتبر الفيلسوف المستعمل لاستعارات فريدة شاعرا ؟ إن التمييز بين المجالات بهذا الشكل القطعي ليس بالسهولة التي يتصورها البعض.إن تفسير البنية الذرية بالمنظومة الشمسية هي نتاسب علمي، إلا إننا نستطيع في نفس الآن أن نقول إن هذه استعارة.بل ويمكن تأملها جماليا. ويمكن أن نقول نفس الشيء حينما نتحدث عن الكهرباء باعتباره تيارا مائيا وننسب إليه الكثير مما لا ينسب إلا إلى الماء.إن التناسبات الدلالية لا الصورية تفرض نفسها بمجرد أن يجد العالم نفسه إزاء ما لا يقع في دائرة الحسيات.هنا يستعين العالم بهذه البلاغة الشعرية في المجالات العلمية.هنا يحتاج العالم إلى الخيال الشعري إذا كان يريد حقا التغلب على السلبية التي تفرضها قلة الوسائل لتملك الواقع تملكا تجريبيا أو برهانيا. ولا نتفق هنا مع أولئك الذاهبين إلى أن التناسب إذا كف أن يكون تعاملا مع الأعداء يفقد فعاليته. «إن التناسب هو في الأصل استدلال رياضي دقيق، وهو يفقد هذه الصفة حينما يطبق على شيء آخر غير الأعداد » [26].
والواقع أن مجالات عديدة طبق فيها منهج التناسب وحصدت العلوم من وراء ذلك نتائج باهرة. ففي علم اللغة طبق المنهج الوراثي حيث نجد «اللغات الأم والبنات والشجرة الجنيالوجية الخ ، وبعد هذا جاءت الاستعارات البنائية ومعها مكوناتها المباشرة، وأخيرا جاءت الاستعارات التوليدية التحويلية. فإذا طبق على هذا المجال المعايير التي يقترحها باشلار فمن المشكوك فيه أن تكون اللسانيات قد حققت القطيعة الإبستمولوجية التي تنقلها إلى عمر التجريد» [27].
والواقع أن تخطي المرحلة الاستعارية متعذرة هنا في مجال الغلوم الإنسانية كما في تلك الجوانب غير المحسوسة في العلوم التجريبية.ولهذا فإن حاجة المشتغلين بالعلوم يحتاجون في مثل هذه الحالات إلى الطاقة الخلاقة التي يتوفر عليها الموهبون من الشعراء.إن العلوم الإنسانية هي من حيث أساسها شعر.وربما كان بيرلمان محقا في قوله:
“لا شيء يستدعي الدهشة، من كون الاستعارات التي توحد المجالات المتعالية عن كل التصنيفات التقليدية، هي بامتياز أداة الإبداع الشعري والفلسفي، إذ الفكرة الشهيرة لباسْكال "ليس الإنسان إلا القصبة الأكثر هشاشة في الطبيعة، إلا أنها قصبة مفكرة "تحقق توحد الموضوع والشبيه في صيغة خالدة” [28]
إلا أن مثل هذه التصريحات قليلة في مشروعه، إذ إن مجال التواصل الشعري ليس متميزا عنده عن باقي المجالات الإنسانية بما في ذلك القانون والفلسفة والخطابة والدعاية ولغة التخاطب اليومي.إن التمييزات القاطعة عنده هي في جوهرها هي تمييزات أفلاطونية.إذ هناك من جهة العلوم بشتى أنماطها الحقة والتجريبية، وهناك في القطب الآخر غير العلوم وهي ما سبقنا الإشارة إليه.
وإذا كان بيرلمان يؤكد على الطابع الشعري للاستعارة وهو الطابع الذي يتخطى مجال الحجاج كما نجد في المثال الذي يستعمل فيه «مفهوم العبد استعمالا استعاريا في عبارات من قبيل "عبد الباطرون"و"عبد الأهواء" فإننا نكون مدفوعين إلى البحث عن العناصر المشتركة بلفظ "العبد" في كل الاستعمالات التي سيؤثر بعضها في البعض الآخر لقد رأى علماء البلاغة في الاستعارة أداة سد الحاجة اللغوية.إنه لمن الأكيد أن بإمكانها إنجاز هذا الدور»
والواقع أن هذه خاصية تتخطى الحجاج والشعر والعلوم.إنها تمثل واحدة من خصائص التفكير البشري.إن الاستعارة لها مواقع مهيمنة ومترسخة في الذهنية البشرية.ولذلك فإننا كما نعجب باستعارة المنظومة الشمسية للبنية الذرية، نعجب كذلك لاستعارة المتنبي ماء المزن الصافية للطهارة حيث يقول :
حصان مثل ماء المزن فيه كتوم السر صادقة المقال
هناك طرق مختلفة لاستعمال نفس الاستعارة، إن كل واحدة تبرز مظاهر مختلفة ويصل من هنا إلى نتائج مختلفة .هكذا فإن المنهج يوصف في الغالب بأنه طريق - وهو يذكرنا بالمعنى الإتيمولوجي لهذه الكلمة - إلا أن كل مفكر يستعمله بطريقته الخاصة .
إليكم ما يكتبه ديكارت بصدد القاعدة الثانية في خطاب المنهج : «كما أن هناك من يمشي وحيدا وفي الظلام فأنا عزمت على السير البطيء، واعتماد الحذر ما أمكن ذلك في كل شيء.وإذا كنت لا أتقدم فإني على الأقل أتجنب السقوط». أما لايبنيتز، فعلى العكس من ذلك يلح على المظهر الاجتماعي للمعرفة.إن الجنس البشري منظورا إليه في علاقته بالعلوم التي تفيدنا في السعادة، شبيهة في نظره، بزمرة من الناس، الذين يطلب منهم "السير في المجموعة وبانتظام وبتقسيم الطرق والتعرف عليها وصيانتها" [29]
إن العلم بالنسبة إلى هذين المفكرين له صيغة نهائية في الذهن الإلهي :الطريق مرسوم سلفا، يكفي اجتيازه.أما بالنسبة إلى هيجل، فعلى العكس من ذلك، الطريق يرسم مع تقدم المعرفة، وكتب بيرلمان وهو يراعي بشكل أقوى في تقدم المعرفة، التراث والمبادرة في الممارسة:
«إن مسارنا الفكري يدعمه آباؤنا ومعلمُومنا قبل اللجوء إلى طرق جديدة، وتحسين الطرق القديمة، لقد استعملنا عددا كبيرا من الطرق التي رسمتها الأجيال السالفة؛ وأن بعض الطرق لشدة إهمالها تتردى وتكتسي بالنباتات التي تطمس صورتها، وإننا لنغتبط في بعض الأحيان باكتشافها بعد أن تعرضت للإهمال لقرون؛ وإن بعض الطرق الشديدة الانحدار لايجرؤ على المجازفة في قطعها إلا المتسلقون المجهزون بشكل جيد والمتمرنون تمرينا ممتازا.
إننا بمجرد ما يغدو الشبيه في الاستعارة غير المفيدة expression métaphorique مصحوبا بأية جزئية، والمستحسن هنا تمديد التناسب، فإن العبارة الأكثر ابتذالا يمكن أن تعود حية» [30].
أليس مثال المتنبي:
قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا
إن استعارة البحر من أشد الاستعارات ابتذالا إلا أن السياق هنا أضفى عليها من الطرافة والجدة مالم تكن تتمتع به خارج هذا السياق. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الموت كثيرا ما شبه بتناول مشروب من كأس ولكثرة استعمال هذه الاستعارة فقد بليت وعلاها الصدأ. إلا أن أبا الطيب المتنبي أكسبها من الطلاوة ما لا يستطيعه إلا هو حينما قال:
أحن إلى الكأس التي شربت بها وأهوى لمثواها التراب وما ضما
ويمكن لهذه الاستعارة الميتة أن تنبعث بتغيير السياق المعتاد، بفضل استعمال العبارة الاستعارية في شروط سياقية غير معتادة وذلك يسترعي الانتباه إلى الاستعارة في السياق الجديد. إن العبارة الاستعارية الميتة يمكن أن تنبعث حينما يبثها خطيب مشهور أو شاعر أو فيلسوف ذائع إذ لا يمكن، في رأي الجمهور، أن تخرج من فم الخطيب المفوه أو الشاعر المفلق أو الفيلسوف الذائع استعارة ميتة وعبارات جاهزة.
إن العبارات الاستعارية ليست هي نفسها في لغات متعددة، كما أن درجة غفوة استعارة ما يمكن أن تكون متفاوتة تفاوتا كبيرا بين اللغات، وإن الترجمة تحرف شيئا ما في هذا المجال. وهي تعمل على بعث الاستعارات. هناك ماهو أكثر من هذا. إن نصا أجنبيا مقروءا في لغته الأصلية يبعث، إذا لم تكن هذه اللغة معتادة عند القارئ، حالة من الحياة والحركة، ولذة خاصة، ناتجة عن كون القارئ يدرك استعارات حية وهي في اصلها نائمة" [31]
بل حتى داخل نفس المحيط الثقافي يمكن أن يحدث هذا. ففي اللغات الحرفية، والعامية، تبدو لنا عبارات المستعملين في المجالات المذكورة معتادة في حين أنها بالنسبة إلينا نحن غير المتعودين على ذلك عبارات استعارية. وإذا كنا نتحدث عن وفرة الاستعارات في لغة البدائيين، وفي الأقسام الأولى وعند الفلاحين، فإن هذا قد يعود جزئيا إلى كل ما يفصلهم ثقافيا، عن المشاهد.
وبعد...
فقد عادت البلاغة شر عودة، إذ إن العلوم الإنسانية لا تطفح بالقياسات المضمرة والمقارنات وحسب، بل إن الاستعارات تشكل عتادها الذي لا يمكن الاستغناء عنه في كل الخطوات البرهانية الحاسمة. وإذا كانت هناك ضرورة للاستشهاد فإننا نكتفي بمثال واحد هو سيجموند فرويد يستخدم الاستعارة بوصفها أداة برهانية أساسية:
"تمثيلا على العلاقات القائمة بين البقايا النهارية والرغبة اللاشعورية كنت قد استخدمت، في غير هذا المكان، تشبيها لا أجد مناصا من العودة إليه هنا. فكل مشروع يحتاج إلى رأسمالي يتولى الإنفاق، وإلى مقاول تكون لديه فكرة ويعرف كيف ينفذها والرغبة اللاشعورية هي التي تقوم على الدوام بدور الرأسمالي في تكوين الحلم، فهي التي تتولى تقديم الطاقة النفسية اللازمة لهذا التكوين. أما المقاول فتمثله هنا البقية النهارية التي تعين كيفية استخدام هذا الرأسمال، هذه الطاقة . والحال أن الرأسمالي نفسه هو الذي يكون في بعض الأحوال صاحب الفكرة ومالك المعرفة الخاصة التي يتطلبها تنفيذها، كما يكون المقاول نفسه في أحوال أخرى مالك الرساميل اللازمة لإقامة المشروع وهذا من شأنه أن يبسط الموقف العلمي وييسره ولكنه يجعل فهمه النظري أكثر صعوبة. وقد درجت العادة في الاقتصاد السياسي على تقسيم هذا الشخص الواحد، وعلى التمييز بين وجه الرأسمالي ووجه المقاول فيه؛ وفي هذا الفصل والتمييز صورة للموقف الأصلي الذي اتخذناه نقطة انطلاق لتشبيهاتنا. على أن الاحتمالات عينها قد تنشأ في تكوين الأحلام، وسأترك لكم حرية تتبعها وملاحظتها بأنفسكم" [32]
إن فرويد وغيره من علماء الإنسانيات يعمدون إلى هذه الاستعارات والتشبيهات. بل إن بعضهم ممن يعادي الاستعارة لا يجد مناصا من استخدامها بشكل اختلاسي وذلك عبر تسميتها تسمية جديدة ألا وهي النموذج أو الموديل. إن أغلب القضايا التي يطرحها فرويد في تحاليله يبرهن عليها في الغالب بهذه المقارنات الاستعارية. إن لغة الأحلام هي لغة بدائية ولهذا سارع إلى مقارنتها باللغة الصينية والهيروغليفية والمسمارية واللغات السامية إلخ. يقول فرويد:
« لقد أسلفت القول، ولعلكم تذكرون أن عمل الحلم يعطي الأفكار الكامنة نمطا تعبيريا بدائيا، شبيها بالكتابة المصورة. والحال أن جميع أساليب التعبير البدائية تتتسم بمثل ذلك الإبهام والالتباس وازدواج المعاني، من دون أن يبيح لنا ذلك التشكيك في إمكانية التفكير في استخدامها العملي. وأنتم تعلمون أن تلاقي الأضداد في إخراج الحلم يشابه ما يسمى بـ " طباق المعاني" في جذور الكلمات في اللغات الأقدم عهدا» [33]
وهناك مثال آخر شهير عند فرويد وهو مثال الرقابة الحلمية . لقد عرضت سيدة مسنة حلمها على فرويد. وهو يتعلق بسيدة تعرض خدماتها على مستشفى عسكري. وفي الحلم مشاهد لا نريد الإفاضة هنا في وصفها، إنما نكتفي بتلك الاستعارة التي يستعين بها فرويد لكي يشير إلى القوى التي تتدخل لتحوير الحلم ويخرج في صيغة مقبو
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2nd يونيو 2013, 05:24 من طرف nadhem
» إلى أين تسعى ياجلجامش؟
27th سبتمبر 2012, 01:21 من طرف احمد حرشاني
» لست أدري! لست أدري!
27th سبتمبر 2012, 01:14 من طرف احمد حرشاني
» تلخيص مسالة الخصوصية والكونية
5th ديسمبر 2011, 01:04 من طرف احمد حرشاني
» شواهد فلسفية: الانية والغيرية
5th ديسمبر 2011, 01:03 من طرف احمد حرشاني
» شواهد :الانظمة الرمزية
5th ديسمبر 2011, 01:02 من طرف احمد حرشاني
» شواهد :الانظمة الرمزية اللغة
5th ديسمبر 2011, 01:02 من طرف احمد حرشاني
» شواهد :الانظمة الرمزية المقدس /الأسطورة
5th ديسمبر 2011, 00:57 من طرف احمد حرشاني
» شواهد من اقوال الفلاسفة عن الصورة
5th ديسمبر 2011, 00:53 من طرف احمد حرشاني