الفلسفة في الباكالوريا
مر

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الفلسفة في الباكالوريا
مر
الفلسفة في الباكالوريا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» العمل: النجاعة والعدالة
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty2nd يونيو 2013, 05:24 من طرف nadhem

» إلى أين تسعى ياجلجامش؟
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty27th سبتمبر 2012, 01:21 من طرف احمد حرشاني

» لست أدري! لست أدري!
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty27th سبتمبر 2012, 01:14 من طرف احمد حرشاني

» تلخيص مسالة الخصوصية والكونية
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty5th ديسمبر 2011, 01:04 من طرف احمد حرشاني

» شواهد فلسفية: الانية والغيرية
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty5th ديسمبر 2011, 01:03 من طرف احمد حرشاني

» شواهد :الانظمة الرمزية
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty5th ديسمبر 2011, 01:02 من طرف احمد حرشاني

» شواهد :الانظمة الرمزية اللغة
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty5th ديسمبر 2011, 01:02 من طرف احمد حرشاني

» شواهد :الانظمة الرمزية المقدس /الأسطورة
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty5th ديسمبر 2011, 00:57 من طرف احمد حرشاني

» شواهد من اقوال الفلاسفة عن الصورة
إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty5th ديسمبر 2011, 00:53 من طرف احمد حرشاني

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها

اذهب الى الأسفل

إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها Empty إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها

مُساهمة  احمد حرشاني 31st يوليو 2010, 10:01

إشكالية "المفهمة" في الفلسفة وفي تدريسها

حميد اعبيدة
تمهيد:
لا شك أن الاهتمام بديداكتيك الفلسفة، أو بيداغوجية الدرس الفلسفي، أصبح أمرا لا مناص منه في ممارساتنا التعليمية/التعلمية داخل الفصل الدراسي المؤسسي، وذلك لعدة اعتبارات منها ما يتعلق بطبيعة الفلسفة ذاتها كتفكير عقلاني "جدي" –حسب تعبير هيجل- يستلزم "معلما" متمكنا من فن وتقنيات التدريس، ومنها ما يرجع للوضع العام المميز لثقافة المتعلمين ولمستواهم المعرفي والإيديولوجي في وقتنا الراهن، حيث بدأت تبرز ميول مذهبية، ونزوات فكرية، أساسها السذاجة وأسلوبها التبسيط المؤديان لا محالة إلى التطرف إما في الانغلاق والظلامية، وإما في "التفتح" المانع، وبعبارة أدق فإنها تؤدي إلى "تبليد" جزء كبير من ناشئتنا ووضعه على هامش المجتمع. ومن هذه الاعتبارات كذلك ما يتعلق بالتطور الهائل الذي عرفته علوم الإنسان، والإعلاميات والتقنيات المخصصة للتدريس.. إلخ، ونظرا لهذا كله أضحى من اللازم في زماننا الحالي أن يتفتح الدرس الفلسفي، المتميز بطابعه النقدي وبالتحليل المنطقي الرزين، على المستجدات البيداغوجية والوسائل التعليمية الحديثة، وذلك ليساهم بشكل إيجابي و"شجاع" –كما ساهم سابقا- في تجاوز الأزمة التي يعرفها تعليمنا، ويشارك في التنوير المسؤول لعقول أبنائنا ولمستواهم الفكري والثقافي العام، وبالتالي وضعهم في خضم ما يتطلبه العصر الحالي من مسؤولية ويقظة –وانخراط دائم في عملية التنمية المستديمة. من هذا المنظور جاءت مبادرتنا لعرض ثم مناقشة بعض الأعمال، أو الاجتهادات التي قام بها غيرنا، وذلك اعتقادا منا، أن كسب رهان تجديد الدرس الفلسفي ومده بالحيوية، وتفعيل أدواره البيداغوجية، وتحقيق أهدافه النبيلة أمور لا تتأتى إلا بالانفتاح على تجارب الآخر ومساءلة النتائج التي توصل إليها في هذا الميدان.
انطلاقا من هذه الاعتبارات أو الحيثيات، ووعيا منا بخطورة الدور المنوط بالدرس الفلسفي وبمدرسي الفلسفة، وقع اختيارنا على عدة أعمال بيداغوجية أو ديداكتيكية بدت لنا أهميتها، وذلك لنستلهم منها تجربة نعتبرها من الناحية الإجرائية ذات فائدة كبيرة في إغناء النقاش الدائر حاليا في أوساط مدرسي الفلسفة، والمؤطرين التربويين وجميع المهتمين. وحتى لا يساء فهم غرضنا من هذا العمل فإن قصدنا منه لا يعني بتاتا أننا ندعو إلى التبني الحرفي-الميكانيكي للتصورات الواردة في هذه الأعمال، بل الاستئناس بها فقط حتى نغني تجاربنا الخاصة ونطور النقاش، في أفق بناء تقليد بيداغوجي خاص بتدريس الفلسفة في بلادنا.
1- إن المتتبع لتاريخ الفلسفة، والمفتحص لكل الاتجاهات والنظريات التي شيدها الفلاسفة، غالبا ما يقف على مدى حرص هؤلاء على مبدأ التدرج في الانتقال بمفاهيمهم من مستوى الرأي "الدوكسا" إلى مستوى "الإبستيمي"، أي من لحظة التداول العامي إلى لحظة الضبط المعرفي، هذا المنحى الذي اتخذته الفلسفات أو نهجه الفلاسفة عبر مختلف مراحل تطور الفكر الفلسفي يمكن اعتماده بيداغوجيا أو نقله إلى مجال الممارسة الفصلية في صورتها الحالية، واعتباره من الناحية الديداكتيكية وسيلة ناجعة لإنجاح الدرس الفلسفي، وذلك بالوقوف على تمثلات التلاميذ، لمساءلتها ونقدها ثم تجاوزها في اتجاه "صياغة مفاهيمية" خاصة تميز الطبيعة التفلسفية للمتعلمين.
إن من بين العوائق الأساسية لتحقيق تعلم فلسفي ناجح عند التلاميذ هو تمثلاتهم الخاطئة، وما أكثرها (وإن كان من عدم السهل أن نتحدث عن تمثلات متشابهة ومتجانسة، فلكل مجتمع تمثلاته بل في داخل المجتمع الواحد توجد تمثلات خاصة بكل جهة أو مجموعة إثنية ما). إذ ينبغي في بداية الأمر العمل على انبثاقها ثم ضبطها وحصرها، وذلك في أفق تصحيحها ثم تجاوزها أو القطع معها بصفة نهائية.
وإذا كانت للمفهوم علاقة وطيدة بالتمثلات، فإنه يرتبط كذلك بالمعيش le vécu وبالحساسية la sensibilité. وهكذا فإن المعيش "معيش التلميذ" ومكتسباته السابقة غالبا ما يحملان استعدادا أو قابلية للتحول إلى مفاهيم، ويتأتى ذلك من كون المفهوم يضم دائما في ثناياه جوانب "لا فلسفية" non-philosophique، أو جوانب "ما قبل مفاهيمية" préconceptuels الشيء الذي يجعلنا منذ البداية نقر باستحالة أية صياغة مفاهيمية دون أن نضع في الاعتبار استحضار التجارب المعيشة، كمطلب ديداكتيكي أساسي، مع استبعاد أي معنى اختباري لكلمة تجربة، لأن الأمر يتعلق هنا بعالم المعيش بكل اتساعه وانفتاحه كما يذهب إلى ذلك هوسرل E.Husserl.
ويرتبط المفهوم كذلك بجوانب حسية كثيرة، ويتأسس عليها، لأن تمثلنا للمفاهيم لا يتم إلا بوسائط حسية وبالتالي فإن أية عملية بناء ديداكتيكية للمفهوم ينبغي أن تضع في اعتبارها، كتلا "حسية" des blocs de sensation، عناصر إدراكسية des percepts، صور images، واستيهامات Phantasmes[1].
2 – أساسية المفاهيم في الفلسفة: (عرض تجربة ميشيل بينوا، ميشيل كاري وميشيل توزي في كتابهما دراسة فلسفية للمفهوم الفلسفي وللنص، أكاديمية مونبلي 1993)[2].
عندما تعطي الفلسفة اهتماما خاصا لدراسة "المفاهيم" les notions[3] –إلى حد جعلها قاعدة للبرنامج المؤسسي للمادة- فإن ذلك يحصل لكون تلك "المفاهيم" توقظ، وتسمح في نفس الوقت بالتأمل في العلاقة بين الفكر واللغة، والواقع "le réel"، ولكونها تمثل سبيلا من سبيل تعقل علاقتنا بالعالم، بالآخر وبأنفسنا، وكذلك لكونها تشكل دعوة إلى البحث عن المعنى.
هذا البحث –انبثاق أو بناء المعنى- يمر عند الفلاسفة عبر مجهود تعريفي رصين أو صارم "للمفاهيم العامة" notions وتكوين أو إنشاء الإشكاليات التي تثيرها.
إنه جهد يقتضي أو يفترض بالنسبة للتلميذ الحاصل على تكوين أو تجربة سابقة (مكتسبات أولية)، استحضار عدة عمليات أو إجراءات للقيام بالمفهمة (الصياغة المفاهيمية) conceptualisation وعمليات أو إجراءات للأشكلة (الصياغة الإشكالية) problématisation، تنمي عند المبتدئ قدراته، كما أن التعلم في نطاق تلك "المفاهيم" يشكل مادة أو نسيج "فعل التفلسف" بامتياز (أي أنه تعلم يتيح تحقق فعل التفلسف وفق مبدأ التدرج البيداغوجي من مستوى عمومية المفاهيم، "تشتتها" أو "تسيبها"، إلى مستوى الضبط أو الصرامة الفلسفية، مستوى التحقق النهائي لعملية المفهمة).
نعم إن تطور عمليات التفكير (وبالخصوص عمليات: المفهمة، الأشكلة، والحجاج) هو الذي يهمنا من الزاوية الديداكتيكية، أي من زاوية اكتساب، أو تملك التلاميذ "لخطة" فلسفية، وليس مجرد الاكتفاء بتحصيل المضامين المعرفية (رغم أهميتها في تدريس الفلسفة). إننا لا نقصد هنا دراسة المفاهيم les notions بصفة عامة ومجردة، ما دمنا لم نقم بمجهود الصياغة المفاهيمية، أو الصياغة الإشكالية بصفة نهائية وفي الفراغ، أو في إطار مفهوم عام وفضفاض كقولنا مثلا: "محاربة داء السيدا"، ولكن –وبصفة دائمة- داخل "مفهوم" محدد notion déterminée. ونعني بذلك أنه ليس هناك مجال للحديث عن عملية للتفكير دون مضمون معرفي تستند إليه تلك العملية، أو مضمون فكري سرعان ما ينبثق عند الشروع في عملية التأمل/التفلسف مع التلاميذ في نطاق "مفهوم" ما، محصور ومحدد.
إننا إذن نتفلسف في نطاق مفاهيم لها حضور ما في تاريخ المعرفة بصفة عامة، وتاريخ الفلسفة بصفة خاصة كمفهوم الطبيعة – العقل – التقنية – الشغل..إلخ. وهي "مفاهيم عامة" notion معروفة وتم تناولها من طرف مفكرين علماء وفلاسفة وشكلت مجالا خصبا للحوار والمناقشة وتقاطع الآراء أو اختلافها.
نعم، فبمجرد ما ننخرط في عملية المقاربة الفلسفية للمفاهيم يحصل لدينا الافتراض بأن تنشيطها أو تفعيلها فكريا، يتم بفضل التمفصل المباشر لعمليات المفهمة، والأشكلة والحجاج، ذلك التمفصل المميز لهذه الخطوات هو الذي يشكل جوهر أو لب فعل التفكير نفسه. من هنا تأتي أهمية عرضنا لعدد من التمارين[4] المخصصة لتطوير قدرات التلميذ على التفلسف. ولكن طريقة تأمل مفهوم ما، هي –بصفة حميمية- مرتبطة دائما بخصوصيتها، إذ ليست هناك ميكانيكية شكلية/صورية للتفكير، أو تمارين تعد بمثابة "وصفات" جاهزة للتفلسف، خصوصا عندما يتعلق الأمر بذات تفكر، وبالضبط في موضوع واحد ومفرد. (= حرية، أو الحرية النسبية للذات المتفلسفة، قدراتها واستعداداتها الذاتية المتفاوتة وهي أبعاد وشروط ينبغي احتسابها أثناء عملية التفلسف مع التلاميذ داخل الفصل، أو أثناء عمليات تشغيلهم المختلفة).
ولأسباب منهجية وتسهيلا لمقاربة مفهوم ما، يقترح ميشيل توزي ومجموعته ضمن الكتاب الآنف الذكر أن يتصدر عملية الصياغة المفاهيمية، عمل الأستاذ مع تلاميذه، لتأتي بعد ذلك عمليتا الأشكلة والحجاج كمكملتين لإنجاز هذا المدخل "المحظوظ" الذي تم بواسطة المفهمة.
تحديدات أولية:
سنحاول في هذه المقدمة أن نحيط –قدر الإمكان- بالتعاريف القاموسية العامة والمتخصصة وذلك لأن قناعتنا الأساسية تنطلق من مصادرة: أن المفاهيم لا تحدد ولا تعرف إطلاقا داخل القواميس، بل في نطاق سياقاتها الدلالية-الفلسفية أي ضمن المذهب أو النظرية التي يؤسسها الفيلسوف لتشكيل نظرته الخاصة إلى العالم.
ولكننا قبل ذلك سنحاول وضع عدد من الأسئلة، التي يوحي لنا بها ما يجري في صميم ممارستنا التعليمية الحالية، أو ما نستشفه من خلال الإنتاجات الفلسفية بصفة عامة، والإنتاجات المتأخرة بصفة خاصة، وهكذا نتساءل: ما هي أدوار المفاهيم، ووظائفها في مجال الفلسفة وفي مجال تدريسها؟ ثم ما طبيعتها؟ وكيف تنتقل أو "تسافر" من حقل معرفي إلى آخر ليستقر بها المطاف في الفلسفة؟ ما هي حدود العلاقة بين المفهوم concept، والمعنى العام notion؟ أي علاقة تقيمها المفاهيم مع اللغة؟ كيف "يصنع" الفلاسفة مفاهيمهم أو يبدعونها؟ ما هي الوسائل التربوية والمنهجية التي تستعمل في مجال إنتاج المفاهيم وتداولها؟ هل يصح الحديث عن المقاربة المفاهيمية –من الناحية البيداغوجية- داخل الدرس الفلسفي؟ وهل هناك حدود وفواصل بين ما اصطلح على تسميته سابقا –في أوساط تدريس الفلسفة بالمغرب-: المقاربة المفاهيمية، المقاربة الإشكالية، المقاربة التيمية؟..إلخ.
وبعبارة أخرى وفي إطار الدرس الفلسفي الحالي: هل يمكن تدريس الفلسفة انطلاقا من المفاهيم أو (المعاني العامة) واعتمادا على الصياغة الإشكالية وعلى الحجاج، أي وفقا لما يسميه ميشيل طوزي بالأهداف النواتية للفلسفة.. إلخ؟
نعم إن جوابنا على هذه الأسئلة سيتم بطريقة تركيبية، وبصفة غير مباشرة ومن ثمة فلن يتخذ الجواب طابعا كرونولوجيا تراتبيا، ولا صبغة تصنيفية تفريغية. وهكذا نبدأ بتحديد وتعريف المفهوم من الزاوية القاموسية، وذلك كما يلي:
I – تعريف روبير: Le petit Robert[5]
"إن المفهوم هو تمثل عقلي عام ومجرد لموضوع ما".
II – "نعطي كلمة مفهوم" لكل تمثل رمزي، من طبيعة كلامية له دلالة عامة، ملائمة لكل سلسلة من الموضوعات المشخصة، والمالكة لخصائص مشتركة"[6].
III – "المفهوم باللغة الألمانية" Begriff يعد أكثر اتساعا من الاستعمال الفرنسي concept، من الاستعمال الإنجليزي conception، ومن الاستعمال الإيطالي concetto: إنه الفكرة: idée بصفة تجريدية وعامة، أو على الأقل كقابلة للتعميم. إلا أنه يجب أن نسجل أن لكل مدرسة من المدارس المختلفة نظرتها وتفسيرها لمسألة تشكل المفاهيم، ونميز هنا بين:
أ – مفاهيم قبلية Concepts priori أو خالصة purs (Reine Begriff, Kant) أي كمفاهيم تعتبر غير نابعة من التجربة كما هو الشأن عند كانط مثلا: (الوحدة والكثرة Unité, pluralité) إلخ..
ب – مفاهيم بعدية (concepts à posteriori)، أو أمبريقية تجريبية (empiriques) أي معاني عامة notion تحدد أقسام الموضوعات المعطاة، أو المبنية، وملائمة بصفة متشابهة، أو كلية لكل واحد من الأجزاء التي تتشكل منها هذه الأقسام، سواء استطعنا أو لم نستطع فرزها منها. مثلا مفهوم "الفقريات" أو مفهوم "اللذة" plaisir. وحسب الإمبريقيين فليس هناك مفاهيم قبلية. أما بعض الفلاسفة كـ(M.Dunan مثلا) فيرى على العكس من ذلك، "أن المفاهيم القبلية هي وحدها صارمة: وكل مفهوم بعدي، لا يستند إلا على التشابه، وليس على الهوية. كل مفهوم يملك "ما صدقا" Extension، وعلى العكس من ذلك، فإن لكل قسم محدد من الموضوعات مفهوم يقابله، لأنه لا يمكننا تحديد قسم ما بدون أن نعين مجموعة من الخصائص التي تنتمي إلى موضوعات هذا القسم، وإليها وحدها فقط: والتي تسمح بتمييزها عن كل الموضوعات الأخرى"[7].
ولكن وكما يقول M.Blondel موريس بلونديل: "يبدو لي بأن تمييزا أكثر أهمية وواقعية من تمييز "قبلي" و"بعدي" هو تمييز المفاهيم الناتجة عن التجربة الذاتية. وعن مبادرة نشاطنا. تلك المبادرة التي نقوم بها عفويا وبحرية (الوحدة، الهوية، الحرية، القوة..)، ومفاهيم مشتقة عن التجربة الموضوعية (اللون، الحرارة..).
وتبعا لهذا التمييز فإن كلمتي "قبلي" و"بعدي" تشكلان حاجزا أمام اعتبار البعد الإيديولوجي المجرد، الذي يحلل منتجات الفهم، دون المشكل الفكري الذي يكشف عن عملية فعل إنتاج المفاهيم. وبالتالي فإن كل مفهوم هو في نفس الوقت: قبلي وبعدي، لأنه داخل كل مفهوم، فإن العنصر التمثيلي ليس إلا حقلا لتلاقي الفعل ورد الفعل"[8].
IV – ويعرفه فولكيي، وسان جون Foulquié & Saint Jean كما يلي: "إن المفهوم concept باللاتينية conceptus (مشتق من concipere، concevoir بمعنى أدرك، وفهم): إنه ثمرة الإدراك أو التصور العقلي. تمثل عقلي مجرد وعام. مفهوم العدل أو مفهوم الضرورة. مرادفه: فكرة عامة Idée générale أو معنى عام notion وهكذا نميز بين المفهوم والفكرة من منظور فولكيي وسان جون بواسطة قاموس اللغة الفلسفية. إن المفهوم يختلف عن كلمة فكرة idée كما يلي: إن "الفكرة" تنتمي إلى اللغة الجارية وذلك بالمعنى الواسع لهذه الكلمة. أما المفهوم فهو لفظ تقني في مجال الفلسفة، يكون معناه مضبوطا، وأكثر موضوعية. فقولنا مثلا: يمكن أن أتوفر على فكرتي الخاصة حول "العدالة" كمفهوم مستقل عني، وكمتموقع خارج ذهني. وهكذا فلكل واحد أفكاره، وهي أكثر أو أقل شخصية، وأهمية. أما المفاهيم فهي غير شخصية، أي لا تنتمي إلى شخص بالضبط. ونظرا لصعوبة تعريف المفاهيم، واستحالة "الحسم القاموسي" في هذه المشكلة –كما أسلفنا القول- يعرض صاحبا، "قاموس اللغة الفلسفية" عددا من تعاريف الفلاسفة للمفهوم نذكر منها على الخصوص:
1 – يقول بركسون: "المفاهيم (…) ليست على الإطلاق صورا، ولكنها رموز".
2 – أما جون ماريتان Jean Maritain فإنه يرى متسائلا "ما هو المفهوم إذن في نهاية الأمر؟ إنه الشيء نفسه، الطبيعة المدركة بسهولة، والمتلقاة بواسطة الحواس، وبفضل التجريد، والموجهة من قبل الفكر إلى داخله، وإلى الدرجة القصوى من اللامادية".
3 – ويضيف ماريتان قائلا: "إن المفهوم ليس ما يعرف عندما يكون ذكاؤنا مشتغلا، إنه وسيلة التعقل: ما نعرفه بهذه الوسيلة هو الطبيعة، أو التحديد القابل للإدراك بنفسه، لشيء ممكن أو موجود الآن"[9].
V – ويعرفه ميالاري في قاموسه التربوي vocabulaire de l'éducation[10]، حسب الخطاطة التالية:



وهكذا يبدو لنا، في حالة اقتصارنا على قاموسي Lalande وFoulquié-Saint Jean، أن هناك بعض التقارب بينهما، والذي يحيل إلى تقاطع المفهوم، مع "الفكرة"، أو "التمثل"، أو "التجريد" أو "العمومية"..إلخ.
إلا أن أهم ملاحظة نسجلها هي كون القاموسين معا، يقدمان نماذج من تعاريف الفلاسفة للمفهوم حيث أن لالاند مثلا ركز على نموذج كانط، بينما قدم كل من فولكيي وسان جون نماذج مختلفة من تعاريف الفلاسفة، الشيء الذي يؤكد مصداقية المسلمة التي انطلقنا منها في بداية طرحنا لإشكالية بحثنا هذا (المتعلق بجانب المفهوم في الفلسفة وفي تدريسها). والتي تؤكد على استحالة حل مشكلة تعريف المفهوم، حلا قاموسيا. ومن هنا فإن النتيجة المنطقية لهذه الصعوبة هي كون المفاهيم الفلسفية تحدد داخل سياقاتها الدلالية الفلسفية.
وإذا اقتضى عمل المفهمة من الناحية البيداغوجية، الانطلاق عادة من المعاني العامة les notions فإننا سنتوقف بعجالة حول مفهوم notion أو المعنى العام كما يترجه موسى وهبة[11]، ثم نقدم التعاريف التالية:
I – تعريف فولكيي، وسان جون: "إن كلمة notion (معنى عام) وفي اللاتينية notio أي فعل التعلم action d'apprentissage وفي الاستعمال العادي فإن كلمة notion تعني: المعرفة الأولية التي نكونها عن الشيء (كقولنا مثلا: اكتساب معاني عامة، notion، حول الهندسة) أو قولنا (لا أملك حول هذا الموضوع أي معنى عام notion) وفي الفلسفة فإن كلمة معنى عام notion تعني: فكرة تدمج أو تضم الخصائص الأساسية للموضوع. وعلى خلاف الفكرة يقال على الخصوص: موضوعات الفكر في درجة عالية من التجريد (عندنا أفكار، رجل، سيارة، تاجر.. إلخ، وعندنا معاني عامة notion: الحقيقة، العدالة، الزمن.. إلخ)، وأخيرا (ينتهي صاحبنا القاموس المذكور) إلى أن المعنى العام notion مرادف للمفهوم concept"[12].
II – وحسب لالاند فإن المعنى العام notion بالفرنسية، وبالألمانية Gedanke Vorstellung تستعمل في المعنى الضيق لمقابل: Begriff = مفهوم، وفي اللغة الإنجليزية تستعمل لفظة notion استعمالات متعددة، فعند باركلي تتعارض مع لفظة idea فكرة، وذلك معنى هذه الكلمة الأخيرة idée يضيق ليعبر عن كل ما يعرف في شكل صورة (sous forme d'image) وبالنسبة للهيجيليين الإنجليز فإن كلمة معنى عام (notion) تليق لترجمة Begriff أي المفهوم الهيجلي. إن هذه اللفظة إذن هي موضوع المعرفة، ولكن ليس فقط-أو بصفة مطلقة الموضوعات المجردة للمعرفة. كما أنها تطبق بصفة خاصة على المفاهيم[13].
أما ميالاري فيعرف المعنى العام notion كما يلي: "إن المعنى العام notion في بيداغوجيا الفلسفة يحيل إلى المفهوم، والتفكير concept et réflexion وهو لفظة تستعمل كثيرا في مجال تدريس الفلسفة لكي تعين الموضوعات المجردة للمعرفة على حد تعبير لالاند ونميز المعاني العامة les notions عن المفاهيم concepts فيما هي عليه، على الأقل قبل دخول التحليل الفلسفي حيز التنفيذ، على مستوى حدودها غير الواضحة، ومضامينها المركبة (يقصد المعاني العامة les notions). كما نميز من جهة أخرى المعاني العامة، عن الأفكار، لأن هذه اللفظة الأخيرة تأخذ حسب هذه النظرية الفلسفية، أو تلك معان هي في نفس الوقت أكثر وضوحا، وأكثر خصوصية. وهكذا نتحدث بإرادة قوية عن المعنى العام للحرية (notion de liberté)، كلفظة لها عدد كبير من التعاريف، كما أنها تستدعي سجالية أكثر تعقيدا، إلا أننا لا نتردد في تعريف مفهوم (الجمع) addition. وتدريس الفلسفة في فرنسا –حاليا- يستند في أكبر جزء منه على دراسة المعاني العامة notions، إذ نجد في المقرر معاني عامة كـ: الثقافة، الطبيعة.. إلخ. ويتعلق الأمر بالنسبة للمدرس، بتحليل المظاهر المختلفة التي يمكن أن يتخذها معنى عام ما، notion حسب مجالات المعرفة أو الممارسة، والسياقات التي صودف فيها، أو عاش في أحضانها. وعلى ضوء تلك المظاهر يمكننا أن نطرح أسئلة، أو نكون إشكاليات، تسمح للتلاميذ ببناء أو استعمال المفاهيم"[14].
نستنتج إذن أن هذه التعاريف تتميز بما يلي:
1 – إن كلمة notion معنى عام تتداخل بل ترادف كلمة مفهوم concept.
2 – إنها تتميز بعموميتها، فالمفهوم أكثر ضبطا وصرامة.
3 – إن المعنى العام notion هو أرضية التفلسف، وأنه خاضع للمفهمة، وللانفتاح –بواسطة أشكلته عبر الأسئلة- على معاني عامة أخرى: أو مفاهيم أخرى.
كما أنه محتاج إلى توظيف الحجاج في دعم أو إثبات القضايا والإشكاليات التي تبنى داخله.
إن مرحلة أو محطة المعنى العام (notion) تمثل منطلق أو بداية الطريق في اتجاه التفلسف وبناء المفاهيم، إنها تحول تدريجيا بواسطة تدخل الفلاسفة، والعمليات الفكرية التي يقومون بها أثناء بنائهم للمفاهيم المندرجة تحت المعنى العام notion، وسنتعرض لموضوع العلاقة بين اللفظتين خلال عرضنا لوجهة نظر كوسيطا أو أثناء عرضنا لتجربة أصحاب تعلم الفلسفة في ثانويات اليوم وذلك ليتضح لنا من الناحية البيداغوجية. كيف تتم مفهمة المعاني العامة (les notions)، أو كيف تصير مجالا للتفلسف؟ وهكذا سنشرع أولا، بعرض وجهة نظر كوسيطا تماما كما هي لنعود إلى مناقشتها في الجانب الديداكتيكي الذي سنقتصر فيه على تقديم نماذج من الأطروحات، والآراء الواردة في مجال الفلسفة، وفي مجال تدريسها حول المفهمة، أو إشكالية المفاهيم الفلسفية، وحقولها الدلالية حسب الأمكنة التي شغلتها في تاريخ الفلسفة، وفي الممارسات الديداكتيكية، التي سننفتح عليها.

المفاهيم الفلسفية: وجهة نظر فريديريك كوسيطا
"عناصر لأجل قراءة النصوص الفلسفية"[15]
من السائد في مجال المعرفة الفلسفية، أو في حضيرة الفكر الفلسفي، أن الفلسفة تستعمل المفاهيم وتوظفها. وفي مطلع الفصل الثاني من كتاب كوسيطا المشار إليه، يدعو الكاتب إلى رفع الوهم القائل بأن الفلسفة مجرد استعمال للغة، وأن بقاءها مشروط بالكتابة الشعرية والأدبية. وذلك لأن بعض الاتجاهات المعاصرة في الكتابة تدعم انتقادات أو ادعاءات أولئك الذين لا يرون في التعبير الفلسفي سوى إسراف في استعمال اللغة. وبعد ذلك ينتقل كوسيطا إلى إبراز موقفه الرافض أو المختلف مع الوهم الوضعي المنطقي المتمثل في سعي الوضعيين المناطقة إلى تبديل هذا الإسراف اللغوي بالمعايير الصارمة للغة نموذجية، مبنية على النمط المنطقي الصوري (ويتعلق الأمر بأعمال كارناب، وفيدجنشتاين، وبصفة عامة مجموع أعمال دائرة فينا) نعم إنه من الأساسي جدا أن تكون الفلسفة –عند استعمالها للغة- قادرة على تصحيح أو تعديل أنماطها التفسيرية، أو تنويع أجناسها التعبيرية، بدءا من التجريد الأكثر صفاءا والمكتسب من كبريات التقديمات الاستنباطية إلى البحث عن أحسن الصور التعبيرية باستعمال الاستعارة، أو المجاز، أو الكتابة الذاتية. إلا أنه، وبصفة لا تقبل الشك فإن المفهوم الفلسفي هو الذي يمثل الواسطة بين الصورة والشكل، أو بين المعيش والمجرد.
إن الفلسفة تكيف المفهوم، وتجعله قابلا لاستعمالات متنوعة داخل الخطاب، وبالتالي فليس هناك فلسفة لا ترجع إليه أثناء بنائها لخطابها الخاص، وفي حالة الضرورة أو الحاجة فإنها توظفه وتخدم حدوده وتضبطها في اتجاه التجريد والتعميم. ولكن إذا كان التجريد فارغا من كل معنى وإذا كانت الصورة، و"الأنا" يتجاوزان كل شكل، فإن الفلسفة تعلن لا محالة عن موتها. (أي أن التجريد لا ينبغي أن يكون مفارقا بصفة مطلقة للمعيش).
وهكذا فإن لم يكن في الفلسفة غير المفهوم، فإنها ليست إلا إعادة مستمرة، لاختبار وتعريف المفهوم، أو تمرينه ثم توظيفه. من هنا نتساءل: كيف يمكن إذن أن نحلل طبيعته والوظائف التي يشغلها داخل الخطاب، أو داخل النصوص الفلسفية؟
الواقع أن الفلسفة تبني مفاهيمها الخاصة مقتبسة للمقولات التي تمدها بها اللغة، وعن طريق المذاهب السابقة، وكما يقول جيل كاستون كرانجي "لا يجوز نهائيا أن نتحدث عن لغة فلسفية، ولكن عن استعمال فلسفي للغة" إذن فالفلسفة ترتبط باللغة الطبيعية، وتستمد منها مفاهيمها، وصيغها التعبيرية الخاصة داخل عالم خاص ومتميز. وما يجب علينا اعتباره هو التساؤل التالي: بأية وسائل يمكن لوحدات المعنى أن تحدد، وتربط، وترتب، لكي تشكل عالما مستقلا من المعاني (داخل النصوص الفلسفية)؟ ونقول بأن هذا العالم يكون مغلقا في الحدود التي يخضع فيها لقواعد صارمة تتعلق بمستوى انسجامه الداخلي. هذه القواعد التي تضمن الارتباط اللازم بين المفاهيم وعدم انفصالها.
وهكذا فعندما يبني سبينوزا فكرة جوهر الإنسان l’essence de l'homme أو عندما يشيد كانط أو يضع –من وجهة نظر النقد- الخاصية "النومينية" للحرية الإنسانية، فإن الفكر لا يمكن أن يتمظهر ويتشخص ويوجد، بواسطة التعاريف التي يقدمها هذان الفيلسوفان لمفاهيمها، إلا بالقدر الذي يطرح معه بفضل تلك التعاريف موضوعه الخاص، وهكذا فإن ما يبدو مصدرا لانغلاق الفكر على ذاته، يصير في الحقيقة شرطا لانفتاحه على العالم. أي أن لحظة الانغلاق على الذات لحظة أو خطوة أساسية يخطوها الفيلسوف في اتجاه بنائه لنظريته الخاصة داخل نظام مفاهيمي لغوي خاص يفسح له المجال كي ينظر إلى العالم ويتفتح عليه من زاوية نظره الخاصة. (هذا رغم صرامة القواعد التي يقتضيها النظام الداخلي لخطاب فلسفي ما). والحقيقة أن شبكة معينة من المقولات الكثيفة لا ترمي إلى أي شيء آخر سوى إنتاج رؤية واضحة للواقع تؤسسها شبكة أخرى واضحة لذلك الواقع.
إن المفهوم في نظر كوسيطا، إذن، ليس فقط وحدة يمكن اكتشافها بفضل حضور لفظة ما، بل هو وظيفة(1) Fonction وسيطة ترتب النظام الداخلي للخطاب.
نعم: إنه من الواضح جدا أن نعتبر الحد الذي تكون فيه هذه الوظيفة Fonction قادرة على تعيين نفسها، وبالتالي على الانبثاق ضمن كلمة أو تشكيل واسع من الكلمات (مثلا: "الوجود من حيث هو موجود" لأرسطو، "الامتداد" عند ديكارت، "الحدس" عند بركسون..)، كما يمكن الرجوع إلى الدال الذي يسمح بتسميتها داخل خطاب فلسفي ما. أو في نص من النصوص تسهيلا للأمر وتفاديا للغموض أو الخطأ في الفهم.
بعد ذلك ينتقل كوسيطا إلى مستوى تحليل الطريقة أو الكيفية التي تطرح بها هذه الوظيفة في النصوص الفلسفية وذلك على النمط التالي:
+ العملية الفلسفية الخاصة بتشكيل المعنى:
بناء الوظيفة المفاهيمية.
السيمنطيقا أو الدلالية المفاهيمية.
وهكذا، فإذا لم تكن هناك فلسفة بدون مفهوم، وإذا كان المفهوم "وظيفة"، يجب علينا تحليل الطريقة التي تتشكل بها معاني تلك المفاهيم الموجودة داخل النص الفلسفي، وكذا الأدوار التي توكل لها في نطاق الخطاب الفلسفي بصفة عامة. من هنا يمكننا فهم، ثم إنجاز هذه المهمة التحليلية حسب ما يلي:
ـ إن تحديد وحصر معنى الكلمات، وكذلك اختيارها مرهون بعمليات معقدة وخاصة نسميها عمليات وضع المعنى.
ـ إن المعنى يمكن أن يحدد في بعض الأماكن الهامة من المسار النصي (الفصول الأولية التي يكون عبرها الفيلسوف جهازه المفاهيمي)، أو على امتداد التشكيلات التي ينجز بموجبها هذا الفيلسوف أو ذاك خطابه وما يمليه عليه ذلك من مقتضيات أو حاجات.
إن هذا النشاط ليس إذن مجرد تقديم أو تهيء للشروع في التفكير الفلسفي، بل يشكل أحد مظاهره الأساسية، وذلك في الحد الذي يكون فيه النشاط المقولاتي activité catégoriale.
ـ الذي تعيد بواسطته، نظرية ما، تنظيم عالم اللغة- قادرا على تمييز نفسه. وتكون تلك النظرية –التي أسسها هذا النشاط- بدورها قادرة على بناء حقلها اللغوي والمفاهيم الخاص (كنظرية أفلاطون مثلا التي لها لغتها ومفاهيمها الخاصة، والمتميزة على لغة ديكارت) ومع ذلك فلا يكفي في نظر كوسيطا أن نحدد معنى التعابير في نظام لغوي ما، حتى نؤسس عالما مستقلا من المعاني وبالتالي لا يمكن عزل مصطلح ما عن سياقه الاستعمالي، أضف إلى ذلك أن السياقات والمعاني المرتبطة بها هي التي ترسم الحقل المفاهيمي لنظرية فلسفية ما.
ولكن ليس السياق المباشر لمفهوم ما هو الذي يشكل أفق معناه، ولكن النظرية في شمولها الواسع هي التي تقوم بذلك الدور. وبعبارة أوضح فإن النسق الفلسفي هو الذي يحدد ويضبط العناصر التي يتضمنها، هذا ما يدعونا بالضبط إلى تجنب اختزال دراسة تشكل المفهوم في عمليات محدودة داخل النص، ولكن بتوسيع مجال الدراسة وتحليل تراجعاته وتحولاته.
إن المفهوم إذن، لا يعطى بشكل مسبق على النظرية الفلسفية، ولكنه يبنى في صلب النشاط الفلسفي.
وهكذا فالنص يعيد مفصلة مجموعات مفاهيمية، ويبدل المعاني المحددة ويخلق تعابير جديدة، بفضل عمل معقد من التحديدات والملاحظات المقدمة حول ذلك المعنى بل بتحاليل تامة، تجعل من التفسير السيمنطيقي إحدى وسائل البحث الفلسفي. وقد ذهب بعض الكتاب إلى اعتبار هذا التفسير السيمنطيقي، إطارا حاملا لمنهجية التفلسف كما هو الأمر في بعض مقاطع الفلسفات الكبرى، بل هو منهجية الفلسفة بعينها، وذلك في نظر الفلسفة التحليلية الأنجلوساكسونية، على وجه الخصوص وكمثال على ذلك يقدم كوسيطا نصا لهيوم من كتاب: "رسالة في الطبيعة الإنسانية" يعطي فيه هذا الأخير مجموعة من الترسيمات المرتبطة بمعنى الكلمات وذلك كما يلي: "الإدراكات التي يقوم بها الفكر البشري، تعود إلى نوعين أو جنسين مختلفين أسميهما: انطباعات وأفكار، اللذان يكمن اختلافهما في درجة القوة والحيوية، المحركتان للذكاء واللتان تشقان طريقهما داخل فكرنا ووعينا. إن الإدراكات التي تستوعب أو تتحقق بقوة وبعنف يمكننا تسميتها انطباعات وتحت هذه التسمية أصنف كل إحساساتنا، أهوائنا وعواطفنا، كما تتجلى حسب مظهرها الأول في الروح. و"بالأفكار" أقصد الصور الممحوة للانطباعات داخل أفكارنا واستدلالاتنا؛ وكمثال على ذلك، كل الإدراكات المثارة بهذا الصدد أو بهذا العرض الذي نقوم به. باستثناء تلك التي تتولد عن الرؤية وعن اللمس، وعن الذة المباشرة، أو الإزعاج الذي يمكن أن تنتجه، ليس من الضروري على ما أعتقد استعمال الكثير من الكلمات لشرح هذا التمييز. كل واحد يمكن من تلقاء نفسه وبسهولة، أن يدرك الاختلاف بين الإحساس والتفكير كما أن الدرجات المتداولة لهذا ولذاك تتميز بدون عناء. ولكنه ليس من المستحيل في بعض الأحيان أن يصير تقارب بعضهما من الآخر أمرا ممكنا. وهكذا ففي النوم، والحمى، والحمق أو في كل انفعال عميق للروح، تصبح أفكارنا غير بعيدة عن انطباعاتنا بل مقتربة منها إلى حد بعيد. كما يمكن من جهة ثانية أن يتم في بعض المرات، أن تكون انطباعاتنا ممحوة بشكل كبير وضعيفة جدا بحيث لا نستطيع تمييزها عن أفكارنا. ولكن بالرغم من هذا التقارب والتشابه الحاصلين في عدد صغير من الحالات، فإن انطباعاتنا وأفكارنا هما بصفة عامة متميزتان إلى درجة أنه ليس هناك تردد في إقامة ذلك التمييز، ولا في إعطاء كل منهما تسمية خاصة.
وأستعمل هنا كلمتي انطباع وفكرة في معنى مخالف لمعناهما العادي. وأتمنى أن يسمح لي بحرية التصرف في ذلك. وهنا أجدني –ربما- أعيد استعمال المعنى البدائي لكلمة فكرة التي بدلها السيد "لوك" كي يحملها معاني كل إدراكاتنا. وبالنسبة لكلمة انطباع، لا أرغب أبدا، أن يعتقد في كوني أستعملها قصد ترجمة الطريقة التي تنتج بها إدراكاتنا الحية داخل الروح: الكلمة تعني فقط أنها الإدراك نفسه الذي ليس له تسمية لا في اللغة الإنجليزية ولا في أية لغة أخرى، وذلك حسب ما أعرف. ويقول لوك في كتابه "دراسات حول الفهم البشري-المقدمة/الفقرة 8" معرفا كلمة فكرة: "إنها الكلمة التي أعتقد في كونها ملائمة أحسن، لتمثيل كل ما هو موضوع للفهم، وذلك أثناء مزاولتنا للتفكير، لهذا استعملتها لكي أعبر عن كل ما نقصد بـ: استيهام، مفهوم، معنى عام notion، نوع أو كل شيء يحصل فيه التفكير".
نسجل إذن:
1-تضمن منطوقات النص، وفتحها للتعاريف التي تمكن الكاتب من تحمل مسؤولية الجمع بين المقاصد اللغوية والعلامات الخاصة، أو المميزة التي يوظفها.
2-بناء سجلات المفاهيم، التي يندرج تحتها الحقل العام لإدراكات الذهن البشري (إنه يميز هنا بين مفهوم الانطباع، ومفهوم الفكرة).
3-فتح الكلمات على معطى "إحساسات وعواطف". هذا المستوى يمكن بدوره أن يترك المجال إلى تقديمات أكثر تشخيصا عبر الأمثلة، وذلك عندما يقول هيوم مثلا: "تلك على سبيل المثال هي كل الإدراكات التي تبعث فينا بواسطة هذا العرض".
من هنا نستنتج أن النواة التعريفية le noyau définitionnel داخل النصوص الفلسفية يجب أن تتضمن العناصر الثلاثة التالية:
ـ اللفظة الدالة le terme signifiant (وذلك قصد اختيار الكلمة وتحديد الدال).
ـ المعنى (ويتعلق الأمر بالصفات أو العلامات Traits التعريفية، والعناصر المميزة والموضحة للعلاقة القائمة بين المفاهيم).
ـ المرجعية أو الإحالة (وهي عنصر يتموقع خارج اللغة، ويترجم عبر المثال أو الحالة الخاصة).
وفضلا عن ذلك، فإنه من الممكن أن تحاك عمليات أخرى حول هذه النواة التعريفية كالشروح ما فوق السيمانطيقية Métasémantique، أي تلك التي تسمح للكاتب بالتفسير، بالحجاج، أو بتعليقه على التشكيل التعريفي الذي صاغه. كما تضاف كل المتغيرات والأشكال التي تثبت حضور أو انسحاب "الناطق-الذات" Enonciateur-sujet" وجهاز التوزيع في الفضاء السجالي، تلك المتغيرات والأشكال، التي ستحضر، وتلعب دورها بمناسبة ذلك التشكيل التعريفي المرتبط بالمعنى، كما نلاحظ ذلك في هذه الجملة الكانطية المأخوذة من "نقد ملكة الحكم": "وفي الحين تتاح الفرصة، لنقد وتحديد، أو تعيين الغموض المعتاد الذين يمكن أن تحصل عليهما كلمة إحساس".
+ نتائج فلسفية: Conséquences philosophiques
إذا كان من الواجب على الفلسفة أن تهتم بدون انقطاع بالمعنى، فإنها ستنقاد لا محالة نحو صياغة ملاحظاتها حول اللغة بصفة عامة، وحول الوضع الفلسفي للمعنى أي أنها ستتجه إلى تبرير استعمالها الخاص للغة تبريرا فلسفيا.
إن عمليات وضع المعنى ستلعب دورا أساسيا ضمن الفترات الأولية لبناء النظرية الفلسفية، الشيء الذي يشهد عليه ضبط التعريفات، في الجهاز النصي، عند كل من سبينوزا وهيوم، ولكن شكل استعمالها مرهون كذلك بالوضع العام الذي تعطيه النظرية الفلسفية إلى مسألة المعنى. وهكذا، فإذا أردنا البقاء في المجال الهيومي، فإنه توجد هناك علاقة بين الصياغة السيمانطيقية للمفاهيم، وبين التحاليل الفلسفية. وعلى سبيل المثال: فإن صلاحية "الأفكار المعقدة" تابعة إلى إمكانية إرجاعها في نهاية المطاف إلى "انطباعات". هذا المعيار سيؤدي إلى إقصاء سيمانطيقي Une disqualification sémantique ومن خلال المثال الآتي سنلاحظ أن عمل التحليل، ينبني في الجزء الأعظم منه على توضيح المعنى: "ليس هناك فكرة من بين الأفكار، التي تقدم في مجال الميتافيزيقا وتكون أكثر غموضا وأكثر ابتعادا عن اليقين كأفكار: السلطة، القوة، الطاقة، والترابط الضروري، التي يجب علينا في كل وقت أن نعالجها في جميع أبحاثنا. سنحاول إذن في هذا القسم أن نثبت –إذا أمكننا ذلك- المعنى المضبوط لهذه الكلمات، ومن هنا نبعد جزءا من هذا الغموض الذي نشتكي منه كثيرا في هذا النوع من الفلسفة نستنتج إذن:
أ-هناك عمليات سيمنطيقية تؤسس، أو تضع الحقل المفاهيمي للنظرية الفلسفية.
ب-هناك تفكير منهجي حول المشاكل التي يطرحها معنى التعابير الفلسفية (مع إمكانية عزل تلك المشاكل التي لها معنى، عن الأخرى التي لا معنى لها) وذلك هو الحال عند هيوم كما رأينا سلفا.
ج-وأخيرا –وفي بعض الحالات- تحصل إمكانية إسناد التحليل بصفة كاملة إلى اعتبارات تتعلق بالمعنى (كما هو الأمر مثلا في الفلسفة الأنجلو-ساكسونية).
وهكذا ينتهي بنا الأمر إلى إثبات أن للعمليات السيمنطيقية صلاحيتها كيفما كان الشكل التعبيري التي تتم فيه. زد على ذلك أنه ليس إلزاميا على الإطلاق أن يحصل تبرير العملية التعريفية، أو السيميائية، في الوقت نفسه الذي تتدخل فيه تلك العمليات التي أشرنا إليها، إذ يكفي أن يكون هذا التبرير مفسرا داخل النظرية الفلسفية.
من هنا يتوجب تعريف المفاهيم، وتحديدها داخل كل نظرية فلسفية، وذلك تفاديا للغموض والخلط، ومن ثمة فإن اهتماماتها بمعنى المفهوم ليست خارجة عن النشاط الفلسفي، بل تلعب دورا أساسيا في تشكيل عالم مستقل من المعاني. وبالتالي فإن كل فلسفة، هي في نفس الوقت، مفتوحة على مجالات تم بناؤها في السابق، كما تميل إلى انغلاق سيمنطيقي خاص بها.
والآن يمكننا أن نقوم بجرد أكثر تفصيلا للعملية السيمنطيقية المتعلقة بالمفهوم، مبرزين كيفية استغلال الفيلسوف لإمكانيات اللغة الطبيعية. قصد تشكيل عالم يصير من واجبه تأسيس ملاءمته اللغوية والمفاهيمية الخاصة.
+ المفهوم كوظيفة لها معنى:
ـ وضع المفهوم داخل العلاقة الإسنادية:
عندما يقارب القارئ نصا فلسفيا، يواجه مباشرة بمشكل مصطلحاته، حيث يجب عليه تحديد معنى التعابير أو البحث عن تعاريفها، تماما، وكأن كل فلسفة تعيد اكتشافا خاصا للغة. وذلك لأن وحدة المعنى l’unité du sens تتكون من جملة، تشكل قاعدة العلاقة الإسنادية التي يعد المفهوم أحد عناصرها. من هنا يدخل المفهوم في نظام مزدوج من العلاقات: علاقات مع مفاهيم أخرى خارجة عن الجملة، وعلاقات مع عناصر داخل الجملة بأتمها.
إن التمييز الذي يجري عادة بين الاسم والفعل هو تمييز وظيفي، وليس مطلقا كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، وبالتالي فإن إمكانية قول شيء حول العالم، تفترض مبدئيا وضع علاقة أساسية –في صلب منطوق ما- بين كلمة محددة تشكل المحيط وبين مركز هو العلاقة الإسنادية (وهنا نشير إلى علاقة التجادب، الدائمة بين الفعل والاسم داخل الجمل).
إن التقاطب بين الفعل والاسم هو المحور الأساسي الذي تستطيع به اللغات امتلاك الأشياء وإعطاءها مدخلا لمجال القول. والفلسفة تثني هذه الوظيفة، في درجة ثانية، لا توجد في اللغة العادية: حيث أن الفلسفة نتجة نحو ما فوق-النص le metatextuel وما يتيحه من إمكانيات ومستويات متعددة. وهكذا يتبين لنا أن التقطيع السابق الذي طرأ على مستوى المعنى، قد حصل بواسطة اللغة، وتم تأهيله ليلعب دور الوثيقة فإننا نعرف أن اللغة الإغريقية تتسم بتقاطب مضاعف بين الفعل والاسم، وإنه بتمييزنا للاسم والنعت مع تحويل فعل الكينونة (verbe être) إلى اسم، فإن هذه اللغة تمنح إمكانيات غنية لاستيعاب الحقائق الدائمة والمثالية. ولكن هل هذا يعني أن النحو يحدد "المفهمة" الفلسفية كما يمكننا أن نفكر في ذلك محتدين بـ"بنفنيست" في مقاله: أصناف الفكر وأصناف اللغة؟
وبكلمة صنف catégorie نقصد[16]:
1-القسم أو الفئة التي تكون أجزاؤها موجودة في نفس المحيطات النحوية les environnements syntaxiques، وتبني فيما بينها علاقات خاصة. وهكذا نقول بأن كلمات: كرسي، طاولة، خزانة، إلخ.. والتي يمكن أن توجد داخل نفس المحيط النحوي، إذ يمكننا أن نقول بخصوصها مثل (إن عليا يمسح بقطعة من الثوب الكرسي، الطاولة، والخزانة..) إنها أشياء تنتمي إلى نفس القسم أو الصنف أو الجنس (في هذا الاستعمال هناك تداخل بين قسم وصنف وجنس).
2-ونميز بين نوعين من الأصناف:
أ-أصناف التركيب التعبيري الاسمي، وأصناف التركيب التعبيري الفعلي، وهما المكونان المباشران للجملة، ويعتبران في مقام الدرجة الأولى داخل القول.
ب-أصناف الدرجة الثانية، ويتعلق الأمر بأجزاء الخطاب الأخرى (أو أنواع الكلمات) المكونة لتراكيب تعبيرية أخرى داخل نفس القول.
أما العلاقة القائمة بينهما من الناحية اللغوية هي كون الأولى تحدد التغيرات التي تعرفها الثانية، حسب النوع، والعدد، والشخص.. إلخ.
ـ عملية التسمية Substantivation:
نعم إن هذا التعارض الفعلي/الاسمي، أساسي داخل اللغة الطبيعية، ولكن الفلسفة لا تقتصر على استعمال ترتيب جاهز بين العمليات والوحدات اللغوية. وعلى العكس من ذلك يجب أن نعتبر أن هذه الازدواجية المكونة من قبل اللغة يمكن أن توضع موضع التساؤل وتحول بواسطة الفلسفة ما دامت الكلمات المشيرة إلى العمليات والكيفيات التي تتضمنها تلك اللغة قابلة للانعطاف اتجاه القطب الاسمي (لنعتبر مثلا العنوان الفرنسي لكتاب هابرماس الفعل التواصلي Ed. Payot l'agir communicationnel. من هنا فإن تشكيل المفاهيم يفترض ميكانيزما يقلب كل الأشكال تحت التصنيف الاسمي: وسنكتفي بنموذج واحد من اللغة الفرنسية:
* être à l’être à l’être ou monde à l’être pour…
* ici à l’ici à l’être ici…
* le monde à l’être ou monde à la mondaneité…
هذه التسمية لا تحدث إلا على الأفعال، ويصعب تطبيقها على النعوث والمصادر، والأصناف اللغوية الأخرى التي لا تتم مفهمتها إلا بواسطة مزيدات أو حرف التعريف "ال" Article dé مثلا:
* Temporel à le temporel.
* Temporel à temporaliser à temporalisation.
هذا الميكانيزم الذي وجد منذ أفلاطون، والذي بالغت بعض الفلسفات المعاصرة منذ هيدجر إلى سارتر في استعماله، قصد بناء مفاهيمها، وذلك لأهميته في مضاعفة حركة الموجودات واستيعابها بواسطة أشكال أصلية، والتي استخدمت في التقليد الفلسفي منذ أفلاطون.

شكل أو صيغة العام:
إن شكل الاسم، ووظيفة التسمية لا يفسران وحدهما، تكوين المفهوم، إذ يجب إضافة وظيفة التعميم التي يؤديها حرف التعريف "ال" أو المزيد Suffixe الذي يشارك كذلك في عملية تعيين تعميم ما هو خاص، والامتداد الأقصى الذي ينتهي إليه ذلك التعميم وهكذا فكلمة "الإنسانية" أو "الإنسان" تعني في نفس الوقت كوننا "إنسان" ومجموع الكائنات المطابقة له. وهكذا فعند قراءتنا لنص فلسفي ما يحصل لدينا الانطباع بأننا منغلقين داخل عالم يشكل نظامه المرجعي الخاص عبر خلق قاموس لغوي مجرد وفي نفس الوقت نحس بمزية أو فضل المجهود الفكري للقراءة. ونحن في تآلفنا معه يغمرنا الإحساس بأن الأمر يتعلق بعالمنا الخاص، والنص هو بمثابة وسيلة عبور من المجرد إلى المشخص.
المفهوم "كوظيفة" Le concept comme fonction
يقدم المفهوم الفلسفي نفسه كمنجز نصي opérateur textuel، إذ بفضل خاصيات اللغة يسمح لنا بتصنيف الواقع والوجود، وذلك بإدماجهما في نطاق المقول: le dicible هذا التعريف الوظيفي يجنبنا من اختزال المفهوم الفلسفي في واحد من الأبعاد التالية: إن المفهوم ليس هو الكلمة، وليس هو الشيء، وليس هو العلاقة بينهما، كما أنه ليس الصورة اللاصقة بينهما، إنه موضوع التفكير المبني داخل نظام التمثل. بواسطته نحاول ثانية تعيين المعنى (بصفة أحادية وصريحة) الذي نريد منحه للكلمات والأشياء، والعلاقة القائمة بينهما. لذا كانت المفهمة إحدى المهام الفلسفية الأساسية التي تطبع التفلسف. من هنا يفهم القارئ الآن، أن المفهوم ليس وحدة بسيطة، بل مركب وظيفي معقد يدخل في صلب التفاعلات المعقدة التي تقتضيها اللغة، والفلاسفة عندما يوظفونه يضعون كل هذه الاعتبارات في الحسبان.
إن وضعية المفاهيم داخل نص فلسفي، تفترض إذن تحليل العمليات التي بواسطتها يفسر الفيلسوف العلاقة بين الكلمة الدالة، المعنى، والإحالة/المرجع référence. هذا العمل التعريفي الخاص باختيار الكلمات، وقواعد الاستعمال التي تؤسس أو تضع البناء المفاهيمي لنظرية ما، ذلك البناء الذي يشكل السيمhنطيقية الفلسفية la sémantique philosophique وبهذا يصبح المفهوم، ليس فقط عنصرا مستهدفا من طرف التفكير الذي يضعه، ولكنه وسيط العمليات التي عن طريقها يبحث الكاتب عن إثبات المعطى الذي يرجع إليه إنه يدخل في الواقع ضمن ثلاث أنواع من العلاقات:
1-كل مفهوم يشترك مع المفاهيم الأخرى الموزعة داخل النص، والتي تشكل مجتمعة الحقل الدلالي لنظرية فلسفية ما.
2-يدخل المفهوم كعنصر في القضية، أو الجملة التي يشكل عماد منطوقها، كما أنه من جهة أخرى يمثل نواة داخل البنية الإسنادية structure prédicative، ويمكن من وضع الأطروحات التي تدخل في عملية البرهنة.
3-تتداخل لعلاقات الدلالية والإسنادية مع المرجع، الذي تستهدف النظرية الفلسفية بواسطته عالما ما، قصد منحه معنى معينا.
ويقوم المفهوم على مستوى الفعل بتنسيق محدود بين البعد الدلالي، المنطقي، والأنطولوجي. وبالتالي فإن تنوع العروض الخطابية –المتبناة من طرف النظريات الفلسفية- تابع للطريقة التي تتبعها هذه العوامل الثلاثة في عملية الجمع والتفريق.
وضع التعريفات: تعريف التعريف:
إن حضور المفهوم الفلسفي هو أمر مثبت بالكلمة الدالة المعطاة، تحت تشكل اسمي عام "الجوهر" "العرض" إلخ..
إذن فما نسميه عادة بالمفهوم ليس سوى وحدة قاموسية تسمح بتعيينه، هذه العملية فيها اقتصاد، ما دامت تسمح في نفس الوقت، بثبات المعنى، وبالإحالة أو المرجعية، داخل سياقات إعادة الاستعمال. إلا أننا لا نستطيع اختزاله في مجموع الخصائص التي تميزه ولا في كلية العناصر التي يعينها. إنه في الحقيقة وعلى العكس من ذلك الدالة التي تضمن التنسيق بين هذه العوامل كلها. إذن يجب بالضرورة أن تكون هذه العلاقة المتبادلة (بين العوامل والمفهوم) قادرة على إثبات ذاتها بشكل صريح أو ضمني، وذلك حتى نكون، في حالة حضور أحد العوامل الثلاثة (الكلمة الدالة –المعنى- والإحالة/المرجع) قادرين أيضا على تفسير العلاقة بين الاثنين المتبقيين (تداخل وترابط عناصر الدالة بالمعنى الرياضي) أما القاعدة التي تمفصل تلك العناصر الثلاثة فهي ما نسميه بالضبط تعريفا. إذن فتعريف مفهوم ما يتشخص في إثبات المعنى والمرجع، وفي إنتاج علاقاتهما. وإعطاء القواعد التي تسمح بإعادة استعمالهما. وهكذا يجب على التعريف أن:
أ-يشخص المفهوم، وأن يعطيه اسما، يجعله سهل المعرفة والحركة داخل التحاليل (وهذا أمر يطرح مشاكل معقدة على مستوى اختيار الكلمات).
ب-أن يسمح بالتعرف والتمييز، إما بتفسير دلالي لخاصيات الكلمة، أو بتفسير الخاصيات المشتركة. والخاصة بمجموع الموضوعات المعنية.
ج-أن يصف ويعين (ولو في الحد الأدنى) إمكانية تبيان العناصر المعنية. إذن فتشخيص الكلمة الدالة، وبناء المعنى، ووصف المرج
احمد حرشاني
احمد حرشاني
Admin

عدد المساهمات : 475
تاريخ التسجيل : 22/07/2010
العمر : 50
الموقع : تونس

https://philobactounis.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى