بحـث
المواضيع الأخيرة
الحجاج2
صفحة 1 من اصل 1
الحجاج2
· المهمة5 : التعرّف إلى أنماط الحجاج الفلسفي من خلال النصوص .
التعريف:
يلجأ الفلاسفة في تناولهم للمشاكل الفلسفية إلى أشكال مختلفة من الحجاج في الدفاع عن أطروحاتهم ودعمها، وفي دحضهم لأطروحة فلسفية أو غير فلسفية تتعلّق بالمشكل الذي يفكرون فيه. ومن الأشكال المعهودة في الحجاج الفلسفي:
أ - الحجاج بالمماثلة :
ويقصد بالمماثلة منهجا إستقرائيّا، والمماثلة هي مبدأ إستكشافي خصب يسمح بالتعرف على التماثل أو التشابه القائم في مستوى علاقة وهي تزيح الغشاء عن علاقة غير متوقعة بين وقائع مختلفة في ما بينها ومن شأن هذا الأسلوب في الحجاج أن يؤثّر أكثر في نفس المتلقي بما يعتمده من لجوء إلى صور لها صلة بالمعيش المباشر. ويمكن أن نجسم هذا الأسلوب الحجاجي من خلال هذا النص لديكارت:
" ...ومن المؤكد أنّنا لا نرى ( الناس ) يهدمون كلّ بيوت مدينة لمجرد إعادة بنائها على نحو مخالف ، وجعل طرقها أكثر جمالا، بل نحن نرى الكثيرين يهدمون منازلهم لتجديد بنائها، وربما أجبروا أحيانا على ذلك عندما تأذن بالانهيار، وعندما تكون غير ثابتة الأسس . وعلى ذلك المنوال ، رأيت أنه من غير الممكن أن يضع أحد الأفراد لنفسه مشروعا لإصلاح دولة بتغيير كل ما فيها من الأسس ، وقلبه قلبا حتى يقومه ، أو حتى لإصلاح كلّ العلوم أو نظام تدريسها السائد بالمدارس : ولكن بخصوص كلّ الآراء التي تلقيتها إلى ذلك الحد في اعتقادي ، فإن أحسن ما كنت أستطيعه بشأنها هو السعي إلى انتزاعها دفعة واحدة منه ، كي أضع مكانها ما هو أحسن منها، أو (أستعيدها) بذاتها عندما أكون قد صقلتها بالعقل. وأعتقد راسخا أنني سأنجح بذلك في توجيه حياتي أحسن مما لو أنني لم أبن إلا على أسس قديمة، ولم أستند إلا إلى المبادئ التي تركت نفسي تقتنع بها في شبابي ، دون أن أنظر البتة في ما إذا كانت صحيحة، إذ أنني رغم ما لاحظته في ذلك من صعوبات جمة ، فإنها لم تكن بتاتا بدون حل ، ولا هي شبيهة بالتي توجد في إصلاح أبسط الأشياء التي تهمّ العموم فهذه الأوزار يصعب جدا رفعها بعد انهيارها، و(يصعب ) حتى شدها بعد اهتزازها، ولا يمكن أن يكون سقوطها إلاّ عنيفا. وبخصوص نقائصها، إن كانت لها (نقائص )، وما تشعبها إلاّ دليل على احتمال الكثير منها لها، فإن الاستعمال قد أنقص بدون شك كثيرا من حدتها، بل جعل (الناس ) يبتعدون عن الكثير منها، أو يقوّمونه دون أن يشعروا، وبكيفية أحسن مما لو أنّهم طلبوا ذلك عن روية وأخيرا، فان تحملها يكاد يكون دائما أيسر من تغييرها.
غير أنني كمثل رجل يمشي وحيدا في الظلمات ، قررت أن أسير ببطء ، وأن أتسلّح بجانب من التحري إزاء كلّ الأشياء، بحيث أحتمي من السقوط حتى وان كنت لم أتقدّم إلاّ قليلا جدا . ."
ر.ديكارت: " حديث ا لطريقة " ( القسم ا لثّاني )
ب - الدحض :
وهو إجراء نقدي يقصد به بُيان أن استدلال الخصم يخرق قواعد اللسان أو المنطق رغم أنه يبدو في الظاهر صالحا. ويتخذ الدحض أشكالا معيّنة :
- دحض الأطروحة بإبراز تناقضها ا لدّاخلي:
انظر مثلا التناقض الّذي يتضمنه النّصّ المقتطف من " التيتاتوس " . لأفلاطون
- دحض الأطروحة دحضا داخليا ببيان طابعها العبثي أي تعارضها مع مقتضيات العقل المنطقيّة:
انظر مثلا هذا النّص لجون جاك روسو من مؤلّفه : " في العقد الإجتماعي " :
" لننظر لحظة في هذا الحق المزعوم - أقول أنّه لا ينتج عنه سوى هراء يستعصي علّى الفهم . إذ حالما تكون القوّة هي الّتي تصنع الحق ، فإن النتيجة تتغير بتغير السبب - فكل قوة تعلو على التي سبقتها ترث حقها. وكلما أمكن العصيان دون التعرّض للعقاب ، صار مباحا شرعيا. وبما أن الأقوى هو دوما على حق ، يصبح هدف كل واحد تحقيق ما من شأنه أن يجعل منه الأقوى. لكن أي حق هذا الذي يتلاشى بتلاشي القوة ؟ فإذا لزمت الطاعة بمقتضى القوة، لم تعد من حاجة إلى الطاعة بمقتضى الواجب – وإذا لم يعد المرء مرغما على الطاعة قسرا، أصبح في حلّ منها، نرى إذن أن كلمة الحق هذه لا تضيف شيئا إلى القوة إنها لا تعني هنا شيئا على الإطلاق ."
يتعلق الأمر في هذا النص ببيان تصادم أطروحة: ( القول .بحق الأقوى ) مع العقل لأنها تفضي إلى اللا معنى، كما هو بين في النصّ.
- دحض أطروحة، دحضا خارجيا بتعديل الأطروحة الأصليّة، بحيث تدمج ضمن أطروحة أشمل منها.
أنظر مثلا نص ليبنيتز أو كذلك هذا النص لجان جان روسو:
" إن الزعم الذي يفترض القول بأن إنسانا ما يهب نفسه مجانا هو ضرب من اللامعقول ويستحيل تصوّره ، فمثل هذا الفعل لا شرعي ولاغ لمجرد أن الذي يقوم به يفتقد الحس السليم ، وإذا قيل نفس الشيء عن شعب برمته ، فإن ذلك يفترض شعبا من المجانين . وما كان الجنون يوما أساسا للحق . حتى لو أن في مقدرة كل أحد أن يتنازل عن شخصه ، فهو لا يستطيع التنازل عن أبنائه - إنّهم يولدون بشرا أحرارا . وحريتهم ملك لهم وليس لأحد سواهم حقّ التصرّف فيها. في وسع الأب قبل أن يبلغوا سن الرشد أن يحدد باسمهم شروطا لحفظ بقائهم وتوفير رفاهيتهم ، لا أن يهبهم دون رجعة ودون شرط ، ذلك لأن مثل هذه الهبة مخالفة لغايات الطّبيعة وتتجاوز حقوق الأبوة. من اللازم إذن حتى يكون حكما تعسّفيّا شرعيا، أن يكون للشعب في بداية كل جيل كامل الحرية في أن يقبله أو أن يرفضه. لكن هذا الحكم سوف لا يكون تعسّفيا وقتئذ.
إن تخلّي المرء عن حريّته ، إنما هو تخل عن صفته كإنسان ، وعن حقوق الإنسانية وحتى عن واجباتها. وليس من تعويض ممكن لأيّ يتخلى عن كل شيء. إن مثل هذا التخلي يتنافر مع طبيعة الإنسان ، فتجريد إرادته من كلّ حرية إنما هو تجريد لأفعاله من كلّ صفة أخلاقية. ختاما أقول أن اتفاقية تنص على السّلطة المطلقة من طرف ، وعلى الطاعة اللاّمحدودة من الطرف المقابل لهي اتفاقية متناقضة وواهية. أليس من الواضح أن المرء لا يلتزم بشيء نحو من يحق له أن يطلب منه كل شيء ؟ ألا يجر هذا الشّرط بمفرده دون مقابل ودون بدل - إلى بطلان العقد ؟ إذ أي حق لعبدي عليّ والحال أن كل ما لديه ملك لي ، وحقه إنما هو حقي - هذا الحق الّذي هو لي وعلى حسابي إنّما هو كلمة خالية من كل معنى. ".
ج -ج روسو : " في العقد الاجتماعي "(ص 13 -14)
ترجمة عمار الجلاصي وعلي الأجنف - دار المعرفة للنّشر - تونس 1980
ج - ا لحجاج بالخلف:
تقع البرهنة على القضية من خلال بيان التبعات المترتبة عن افتراض القضية النقيضة للقضية الّتي يراد البرهنة عليها.
أنظر مثلا هذا النص لأبيقور في مستوى اللّحظة الثّالثة من مسار الحجاج فيه:
" عود نفسك على فكرة أن الموت هي لا شيء بالنسبة إلينا. إذ أن كل خير وكل شر يكمن في الإحساس ، والحال أن الموت إلغاء كلّي لهذا الأخير.
إن هذه المعرفة المؤكدة بأن الموت لا شيء بالنسبة إلينا ينتج عنها تثمين أفضل للمسرات الّتي تمنحها إيانا الحياة الفانية، لأنها لا تضيف إليها ديمومة لا نهائيّة وإنما تنزع عنا في المقابل الرغبة في الخلود. وبالفعل فإنّه لا شيء يثير الرعب في الحياة بالنسبة إلى من فهم فعلا بأن لا شيء في اللا حياة يدعو إلى الرعب .
- هكذا علينا أن نعتبر أحمق من يقول إنّنا نخشى الموت ، لا لأنها تكربنا عندما تحل بنا وإنما لتألّمنا بعد من فكرة كونها آتية يوما ما إذ لو أن أمرا لا يسبّب لنا أي اضطراب بحضوره فإن القلق المقترن بانتظارنا له يغدو دونما أساس.
- وهكذا فمن بين الشرور الّتي ترتعد لها فرائصنا يكون أعظمها شأنا هو لا شيء بالنسبة إلينا، إذ طالما نحن على قيد الحياة فالموت ليس هنا، وعندما يكون الموت نكف تماما عن أن نكون ".
ملاحظات:
ملاحظة أولى : يمكن أن يتضمن النص الفلسفي الواحد عدة أساليب حجاجيّة متساندة ذلك ما نلاحظه مثلا في النص السابق حيث يعتمد أبيقور:
§ في لحظة أولى : القياس ، والقياس هو خطاب ينطلق مع معطيات معينة بحيث تترتب عنها ضرورة نتائج معينة:
- قضية كبرى: أن كل خير وكلّ شر يكمن في الإحساس.
- قضية صغرى : والحال أن الموت إلغاء كلي للإحساس.
- نتيجة: إذن لا خير و لا شر في الموت.
ملاحظة: هذه النتيجة ليست معلنة بصورة صريحة ولكنها متضمنة في هذا القياس .
§ في لحظة ثانية : الاستقراء ويتمثّل الإستقراء في المرور من قضية خاصة إلى قضيّة كلية وذلك إما بالانطلاق من حالة خاصّة أو حدث ، لاستخلاص نتيجة عامة أو بالانطلاق من خاصية محدّدة بالنسبة إلى مجال معين وتعميمها على جميع المجالات :
- ما يزعجنا في الحياة هو الموت
- إذا لم نعد نخشى الموت.
- فلاشيء إذن يزعجنا في الحياة.
§ في لحظة ثالثة : يعتمد برهنة دحضية غير مباشرة قائمة على بيان الطابع العبثي للأطروحة المقابلة.
- أن الموت يزعجنا بفعل انتظارنا له .
- والحال أن الموت لا يسبب لنا أي ضرر بحضوره .
- إذن خوفنا منه لا معنى له .
وفي لحظة رابعة وأخيرة يعتمد الكاتب برهنة شرطية منفصلة وهذا النوع من الاستدلال قابل لأن يرد إلى قياس،
القضية الأولى فيه تعتمد الوصل " بأو " .
- نخاف من الموت : أ - إما أن نكون عندها على قيد الحياة.
ب - وإما أن نكون ميتين .
أ ) فإذا كنا على قيد الحياة : فلا موت ولا داعي للخوف .
ب ) وإذا كنا ميتين فلا إحساس ولا داعي كذلك للخوف .
في كلتا الحالتين سواء كنا أحياء أو أمواتا لا معنى للخوف من الموت .
ملاحظة ثانية : لمجاوزة مزلق الصوريّة عند تحليل نمط الحجاج في نصّ فلسفي يمكن دعوة المتعلمين إلى قراءة النص قراءة متأنية هدفها المسك بالنمط الحجاجي الذي اعتمده الفيلسوف في أهمّ أطواره قصد التأكد من وجاهة الأطروحة، وذلك بغرض التأكيد على التلاحم القائم بين أسلوب الدحض ومضمونه ا لفلسفي.
الهدف: أن يصبح المتعلّم قادرا على بيان أهميّة الحجاج في الفلسفة بما يساعده على قراءة النصّ الفلسفي وفهمه فهما سليما وتوظيف بعض أساليب الحجاج عند تحريره للمقال الفلسفي .
· المهمة 6: تحديد الأطروحة المقابلة وبيان كيفيّة دحضها.
التعريف:
لما كان مقصد القول الفلسفي التواصل فإن بنيته غالبا ما تكون قائمة - إن بشكل صريح أو بشكل ضمني - على محاورة طرف أو أطراف متعددة قصد :
- تعديل الأطروحة المقابلة بإضافة ما تكون قد أهملته أو غفلت عنه بناء على إشكالية جديدة يبنيها الفيلسوف.
- أو دحض الأطروحة المقابلة دحضا داخليا من خلال بيان تهافتها.
الهدف:
أن يصبح المتعلم قادرا على رصد مرمى الحجاج في النص الفلسفي وتعيين الأطروحة أو الأطروحات المقابلة التي يحاورها الكاتب ( و التي تكون أحيانا معلنة صراحة ) وهو ما يساعد على تمثل مسار الحجاج وفهم أطروحة الكاتب في اختلافها عن غيرها من الأطروحات .
التطبيق:
انظر مثلا التناقض الّذي تتضمنه محاورة " تيتاتوس ":
" - سقراط : لنترك جانبا كل شهادة أخرى ولنستأصل من أقرب السبل هذا الاعتراف من خطاباته نفسها ( أي خطابات بروتاغورا س )
- ثيودوروس : كيف ذ لك ؟
- سقراط : هكذا : أليس يقول أن كل ما يظهر لأحد يوجد بالفعل بالنسبة إلى هذا الذي ظهر له ؟
- ثيودوروس : هذا بالفعل ما يقول .
- سقراط : وماذا عن بروتاغوراس نفسه ؟ لنفترض انه لم يعتقد هو نفسه أن الإنسان مقياس كل الأشياء ولنفترض كذلك أن معظم الناس لا يعتقدون ذلك. وبالفعل هم لا يعتقدون ذلك - أفلا يكون من الضروري أن الحقيقة كما عرفها لا تكون موجودة بالنسبة لأي كان ؟ وإذا افترضنا أن بروتاغوراس يقر بذلك في حين أن الجمهور لا يشاطره رأيه ، نستنتج أنه على قدر ما يكون المنكرون لمبدئه أكثر عددا من الّذين يقرونه يرجح خطأ مبدئه ذاك على صدقه ؟
- ثيودوروس : هذا ما لا يمكن أن يرفض إذا كان وجود الحقيقة أو عدم وجودها متوقفا على رأي كل فرد.
- سقراط : وزيادة على ذلك نستنتج مما سبق شيئا مضحكا تماما وهو أن بروتاغوراس عندما يرى خصومه أنّه مخطئ في رأيه يعترف أن رأيهم هذا صائب بما أنه يعترف أن الآراء لا تكون إلا صائبة.
- ثيودوروس : فعلا .
- سقراط : إذن فهو يعترف بأن رأيه مخطئ عندما يقر بصدق رأي من يعتقدون أنه على خطأ.
- ثيودوروس : بالضرورة .
- سقراط : لكن الآخرين لا يرون أنّهم على خطأ ؟
- ثيودوروس : كلاّ بكلّ تأكيد .
- سقراط : لكن بروتاغوراس -بالعكس - يعترف أن هذا الرأي صواب كذلك إذا ما اعتمدنا على كتاباته ؟
- ثيودوروس : هذا بديهي .
- سقراط : إن الحقيقة الّتي يقرها بروتاغوراس تكون إذن تحت وطأة شكّ الجميع بدءا منه هو نفسه بل أن بروتاغوراس - باعترافه بصدق رأي من يعارضونه - سيعترف هو نفسه أن لا كلب ، ولا أول من يلتقي من الناس مقياس أي شيء من الأشياء ما لم يدرسه - أليس هذا دقيقا ؟
- ثيودوروس : دقيق.
- سقراط: إذن ما دامت الحقيقة الّتي يراها بروتاغوراس قابلة للرّفض من قبل الجميع، فإنها ليست حقيقة بالنسبة إلى أحد : لا بالنسبة إليه ولا بالنسبة إلى أي كان سواء ".
" الإنسان مقياس كل شيء " : ذلك هو تعريف بروتاغوراس للحقيقة. يرفض أفلاطون - في محاورته لهذه الأطروحة - اعتماد النقد الخارجي بل يتوخى أسلوب الدحض الداخلي القائم على بيان تهافت أطروحة بروتاغوراس وذلك كالتالي :
ب - دحضها وذلك :
- بعرض افتراض أول: أن بروتاغوراس وأغلب الناس ينفون مضمون هده الأطروحة ثم بيان نتيجة هذا الافتراض ألا وهي: أن الحقيقة كما تحددها أطروحة بروتاغوراس لا وجود لها.
- بعرض افتراض ثان: قول بروتاغوراس بمضمون أطروحته و إنكار أغلب الناس لها ثمّ بيان نتيجة هذا الافتراض الثاني:
1 - خطأ إقرار بروتاغوراس مرجح على صوابه .
2 - إقرار بروتاغوراس برأي الآخرين القائل بخطأ أطروحته بما أن بروتاغوراس نفسه يقرّ أن كل الآراء
صائبة.
استنتاج أول: اعتراف بروتاغوراس بخطئه : بروتاغوراس مخطئ في نظره هو نفسه .
استنتاج ثان: بروتاغوراس مخطئ في نظر الآخرين.
استنتاج ثالث: (هو نتيجة للاستنتاجين السابقين ) : إن بروتاغوراس مخطئ .
بالنسبة للجميع بمن فيهم هو نفسه إذن قول براتوغوراس بأن " الإنسان مقياس كل شيء " هو قول باطل لأنّه يناقض نفسه .
وهكذا بطل قول بروتاغوراس لأنه متهافت .
· المهمة 7 : وظيفة المثال و منزلته.
التعريف:
عادة ما تستخدم النصوص الفلسفية المثال أداة لتجسيم فكرة نظريّة غير أن الفيلسوف قد يلجأ إلى المثال لتحقيق أغراض أخرى. وهو ما يخول لنا الحديث عن تعدد وظائف المثال وتنوعها في الحجاج الفلسفي . يمكن التمييز بين الحالات التالية:
- اعتماد المثال لتجسيم فكرة نظريُة:
إن المثال ليس بحد ذاته حجّة أو استدلالا، بل هو يستمد قيمته من حجاج سابق ، بحيث لا يكون غير تجسيم لذلك الحجاج أو مجرّد تمثيل مجسّم ملائم له:
( مثال ذلك اعتماد هوسرل لمثال المنضدة ومثال البيت لتوضيح قصديّة الوعي وذلك في مؤلفه: " تأملات ديكارتية ".)، أو تأييد لتحليل مفهومي يكون منطقيّا سابقا عليه (انظر الأمثلة المتعددة التي يعتمدها سبينوزا لبيان وهميّة الاعتقاد في الحرية بسبب جهل الأسباب المحددة للسلوك ، ودلك في مؤلفه : " الأخلاق " ( انظر النص في كتاب " أنا أفكر " . ( آداب ) ).
- اعتماد المثال كقاعدة للإستدلال الاستقرائي:
يتعلق الأمر بالاستدلالات التي تتمثل في صياغة قانون عام إنطلاقا من ملاحظة كثير من الحالات الخاصة المتماثلة. وهذا الأمر يعد كاريكاتورا للإستقراء العلمي إذ يقتصر على مقاربة عرضية وسطحية، ويخلط ضمن عملية التجريد بين ما هو مشترك من جوانب عرضية في مجموعة من الوقائع وبين خصائصها الأساسية التي تشترك فيها. ( نجد تجسيما لذلك غالبا في أعمال التلاميذ الذين يقتصرون على إعتماد مثال أو أمثلة متعددة اعتقادا منهم أنها تعوض التحليل ، فيسقطون في التعميم المتسرّع الّذي لا يشكل برهنة فعلية.)
- اعتماد المثال المعاكس كحجة في الحجاج الدّحضي:
مثال ذلك اعتماد ليبنيتز لمثال ما يجري في جزر المحيط المتجمد القطبي وذلك لتفنيد التعميم المتمثل في الاعتقاد الرّاسخ في تعاقب الليل والنهار تعاقبا منتظما قبل انقضاء أربع وعشرين ساعة في كلّ مكان من الأرض.
( انظر النص )
الهدف: أن يصبح المتعلم قادرا على:
- تحديد نوع المثال ووظيفته بما يساعد على فهم النص أو على التوظيف السلّيم للمثال عند كتابة المقال الفلسفي .
- بيان حدود المثال في الحجاج الفلسفي:
فالمثال كما ذكرنا لا يقوم بحدّ ذاته مقام حجة أو استدلال ، لذلك وجب الوعي بأن تعداد الأمثلة التي تسير في نفس الوجهة أي تؤيد أطروحة ما هو أمر أقرب إلى تقنية إقناع بلاغية منه إلى تقنية حجاج . إذ يراد بذلك الحصول على موافقة الطرف الذي يتوجه إليه الخطاب مع تغييب لجهد البرهنة العقلية، وهو مزلق كثيرا ما يسقط فيه المتعلمون الذين يعتبرون عفويّا أن الإكثار من الأمثلة يقوم مقام استدلال ، وهو نفس المزلق الذي نبه إليه أفلاطون في العديد من "محاوراته " من ذلك اعتباره أن ذكر قائمة من الأشياء الجميلة لا يقوم مقام حجاج حقيقي يمكّن من تحديد مفهوم الجميل.
- تحاشي الخلط بين المثال والمجاز:
كثيرا ما يخلط المتعلمون بين إعتماد الفيلسوف للمثال في إطار الحجاج واعتماده إياه مجازا ، فالمجاز وظيفته توضيح علاقات منطقية مجردة من خلال إعتماد صور مادية وذلك بناء على تماثل مفترض بين الأفكار المجردة والعلاقات القائمة بين الصّور.
من ذلك اعتماد كانط لمجاز الحمامة الخفيفة التّي "تعتقد" أن طيرانها يصبح أيسر لولا معارضة الهواء لها في حين أنّها لا تستطيع الطيران إطلاقا في غياب الهواء وهو يجسد فكرة أساسية في فلسفة كانط النّقديّة ومفادها أن العقل البشري يعتقد أنه ينفذ إلى الحقيقة بسهولة أكثر لما يستعمل " المقولات القبلية للفهم " دون اكتراث بالمعطيات الحسية في حين أنه لو فعل ذلك لما تحصّل على أية حقيقة.
ويمكن الإحالة إلى نصوص عديدة أخرى تتضمن استخداما لمجازات توضيحيّة، مثلا:
§ نص لأفلاطون: أمثولة الكهف ( الكتاب السابع من .الجمهورية )
§ نص لديكارت : مجاز الهدم و الإصلاح (" مقالة الطّريقة " القسم الثّاني ) ( انظر النص ).
§ نص لكارل بوبر: مجاز " شباك الصيد " في الحديث عن النموذج العلمي:
" أعتبر النظريات العلمية اختراعات إنسانية هي بمثابة شباك نصنعها بأنفسنا لنصطاد بها العالم. فهي اختراعات تختلف لا محالة عن إبداعات الشعراء، وحتى عن اختراعات التقنيين . إذ ليست النظرية أداة فحسب . فما نطلبه هو الحقيقة. ونحن نختبر نظرياتنا لنقصي ما كان منها غير صحيح . وإنما لنتوصل هكذا إلى تحسين نظرياتنا - حتى بما هي أدوات - وذلك من خلال استنباط شباك تتلائم شيئا فشيئا مع مهمة اصطياد أسماكنا، أي العالم الواقعي ، و لكنّها مع ذلك لا تكون قط أدوات كاملة، بل هي شباك عقلية نحن صنعناها وينبغي ألا ننخدع فنحملها على أنها تمثل يستوفي كل جوانب العالم الواقعي ، حتى وإن كانت هذه النظريات باهرة النجاح أو بدا لنا أنها تعطينا مقاربات ممتازة للواقع ".
§ نص ليبنيتز: مجاز الساعتين المتفقتين ، في الحديث عن علاقة النفس بالجسم .
" لنفترض أن هناك ساعتين متفقتين تماما كلّ مع الأخرى في الدلالة على الوقت ، مثل هذا الاتفاق يمكن أن يحدث على واحد من أنحاء ثلاثة : أولها أن يكون هتاك تأثير متبادل على الواحدة من الأخرى، والثّاني أن تكون الاثنتان معا خاضعتين لعناية مستمرة من مشرف يدأب على ضبطهما، والثّالث أن تظل كلّ منهما بذاتها دقيقة تماما في ضبط الوقت ، والطريقة الثالثة تقتضي صنع السّاعتين منذ البداية بمهارة وفن يضمنان لنا اتفاقهما في المستقبل ، وتلك هي الطّريقة التي أطلق عليها اسم الاتفاق المقدر.
فلو وضعنا النفس والجسم محلّ السّاعتين ، لوجدنا اتفاقهما أو انسجامها يمكن أن يحدث على واحدة من طرائق ثلاث: الأولى هي طريقة التأثير، وهي طريقة الفلسفة الشائعة، ولكن لمّا لم يكن ثمة وسيلة لتصور الطريقة التي يمكن بها أن تنتقل الدقائق المادية أو الصّفات اللامادية أو الأنواع الحسية من أحد هذين الجوهرين إلى الآخر فمن الواجب التخلي عن هذا الفرض. أما طريقة الاستعانة بمشرف فهي تعني إقحام الألوهية في حادث طبيعي مألوف ينبغي ، وفقا للمبادئ العقلية ألا يتدخل فيه شيء مضاد للمجرى العام للحوادث الطّبيعية، فلا يتبقى إذن سوى فرضي ، أعني طريقة الانسجام المقدر التي نقول فيها إن القدرة الإلهية قد صاغت الجوهرين منذ البداية ونظمتهما بدقة تبلغ من الكمال حدا يجعل كلاّ منهما، في سيره وفقا لقانونه الخاص الذي اكتسبه مع وجوده يتفق تماما مع الآخر، وكأن هناك تأثيرا متبادلا أو كأن الله يتدخل بيده دائما ليحدث هذا الاتفاق العام ".
ليبنيتز
ورد في كتاب " أفاق " لفؤاد زكريا -
§ نص لهيغل: مجاز " الإسكافي " في الحديث عن ضرورة أن نجعل من تعلّم الفلسفة أمرا جديا.
" هناك ضرورة في أن نجعل من جديد من " التفلسف " أمرا جدّيا. فبالنسبة لسائر العلوم و الفنون والمهارات والمهن يسود الاعتقاد بأن الإنسان لا يحذقها دون أن يكلّف نفسه عناء ودون أن يبذل مجهودا لتعلّمها وممارستها، وعندما يتعلق الأمر بالفلسفة يسود اليوم على ما يبدو اعتقاد معاكس تماما للأول: إذا توفّر لإنسان متمتع ببصره وأصابعه قطعة من الجلد والأدوات فإنّه ليس في وسعه بالضرورة أن يصنع حذاءا، وفي المقابل يعتقد أن أي إنسان بإمكانه أن يقوّم الفلسفة لمجرّد تملّكه للمقياس المناسب لذلك في عقله الطبيعي كما لو أنه لا يملك بالمثل في ساقه مقياس الحذاء.
يبدو أن تملّك الفلسفة يفترض فيه أن يقوم بالذات على انعدام كلّ معرفة وكل دراسة وانهما ( المعرفة و الدراسة ) يصبحان غير ضروريين عندما يتعلق الأمر بالشروع في التفلسف . كثيرا ما تؤخذ الفلسفة على أنها معرفة شكلية فارغة من كل محتوى ولا يؤخذ بعين الإعتبار أن ما هو حقيقة من حيث المضمون في أي معرفة أو علم مهما كان لا يستحق اسم الحقيقة إلا بقدر ما يكون مترتبا عن الفلسفة ".
هيغل
" ظاهراتية الروح "
· المهمة 8 : بلورة المسار المنطقي للحجاج في النص الفلسفي.
التعريف:
إذا كان صحيحا أن الاقتضاء المتمثل في الصّرامة والتماسك الصوري ، هو اقتضاء يقود - من حيث الحق - كلّ قول فلسفي ، فإن ذلك من شأنه أن يجعل من النص الفلسفي نصا حجاجيا يستند في دفاعه عن أطروحة محددة إلى أدلة وحجج معينة، ويجيب عن اعتراضات فعليّة أو محتملة. وتتخذ عملية الحجاج هذه شكل مسار متدرج ومتماسك الحلقات يمكن تعيين بنيته الصريحة في قالب لحظات أو وحدات متمفصلة منطقيا، لكل واحدة منها دور في الحجاج .
الهدف:
أن يصبح المتعلم قادرا على تحليل النص وإعادة بنائه وفق نظامه المنطقي وبالتالي اجتناب مزالق معينة في التحليل كالمتابعة الخطيّة المتقطّعة للنصّ، أو الاكتفاء بتلخيصه تلخيصا سطحيا.
التطبيق:
نص ليبنيتز ( انظر النص ): تتمثل حركة تفكير الكاتب في المسار التالي:
- وحدة منطقية أولى: يطرح الكاتب المشكل الذي يقود تفكيره في هذا النص وهو المتعلق بتعيين أساس المعرفة ما إذا كان أساسها استقرائيا فحسب أم استقرائيا وعقليا معا ؟
- وحدة منطقية ثانية: عرض مختزل للأطروحة: أن العقل ليس صفحة بيضاء بل يحتوي أصليا على مبادئ توقظها التجربة الحسية.
- وحدة منطقية ثالثة: البرهنة على هذه الأطروحة وذلك باستحضار:
§ حجة أولى مضادة: أن تعدّد الأمثلة (استقراء) لا يمثل بحكم الحال إلا استقراء ناقصا ليس من شأنه أن يؤسس لكلية الحقائق التي يبحث عنها بل يمكن فقط من التحصيل على "حقائق خاصّة ومفردة".
§ حجة ثانية: تجسيم هذه الحجة الأولى بمثال ( ظاهرة عدم تعاقب الليل و النهار قبل انقطاع أربع وعشرين ساعة كما هو معهود ...) من شأنه أن يكذب تأسيس المعرفة على الاستقراء وذلك بملاحظة ظاهرة طبيعية تفند الحقيقة المستقرأة. ويقوم استخدام هذا المثال العكسي مقام حجة في تعديل الأطروحة الخبريّة ( لجون لوك ).
انظر تطبيقيا آخر لهذه المهمة المنهجية على نص ديكارت من مؤلفه : " قواعد لتوجيه الفكر".
· المهمة 9 : كشف المسلمات الضمنية التي يستند إليها موقف الكاتب في النص وتعيين ما يترتب
منها من تبعات.
التعريف:
يتعلق الأمر هنا ببلورة ما يفترضه القول الصريح للكاتب في النص من أوليات ، يعتبرها الكاتب عن وعي منه أو عن غير وعي ، بديهية، و تشكّل هذه المسلمات الضمنية شرط إمكان القول الصريح كما هو وارد في النص .
تنبيه: لا يتعلّق الأمر عند تدريب المتعلّمين على هذه المهمة المنهجية بدعوتهم إلى البحث عن مسلمات النسق الفلسفي للكاتب ، بل فقط إلى الكشف عن المسلمات الضمنية للنص المقترح عليهم ، دون اعتبار ضروري للنسق أو المذهب .
الهد ف:
أن يصبح المتعلم قادرا على استخراج مسلمات النص الضمنية وتحديد تبعاته باعتبار ذلك شرطا ضروريا لفهم النصّ وتحليله من جهة، ومحاورته نقديا أو تنسيبه عند الاقتضاء من جهة أخرى وذلك من خلال إعادة النّظر في مدى وجاهة مسلماته الضمنية أو قيمة التبعات النّظريّة والعمليّة، المترتبة عنه .
التطبيق:
1- نصّ لأفلاطون من محاورة " غورجياس "
" وهذا هو السبب الذي يجعل النّاس في ميدان القانون يحكمون على الطموح إلى الحصول على ما هو افضل مما لدى عامة الناس بأنه طموح غير عادل وقبيح ، وهذا ما يسمونه ظلما.
ولكن الطبيعة نفسها، حسب رأيي تعلن بأنه من العدل أن يحظى الأفضل بأكثر مما يحظى الأسوأ، وأن يحظى الأقوى بأكثر مما يحظى الأضعف .
إن هذه الطبيعة تكشف لنا بواسطة أمثلة عديدة، أن الأمر هو كما ذكرنا وأن الناس قد حكموا لا فقط بالنسبة إلى عالم الحيوان بل كذلك بالنسبة إلى الجنس البشري قاطبة، مدنا وأعرافا، بان العدالة تقتضي أن يحكم الأقوى في من هو أقل قوة منه وأن يحظى بالنصيب الأوفر.
وبالفعل لنا أن نتساءل بأي حق دفع كسرساس الحرب إلى بلاد اليونان ، وبأي حق دفعها أبوه إلى بلاد " السيت " فضلا عما يمكن ذكره من أمثلة لا حصر لها من نفس القبيل . كل هؤلاء في اعتقادي يقومون بهذه الأعمال وفقا لطبيعة الحق ووفقا - وحق زيوس - لقانون الطبيعة، لا - حسب الظاهر - وفقا للقانون الذي وضعه ا لبشر.
ألسنا نكون أفضل من فينا من الأفراد وأقواهم وذلك منذ نعومة أظافرهم مثل الأشبال لنستعبدهم وذلك بفتنهم وبإغرائهم بالشهرة، مؤكدين لهم أن في احترام المساواة يكمن الجمال والعدل ؟
ولكن يكفي أن يبرز رجل له من قوة الطبع ما يكفي لزعزعة هذه القيود وكسرها و الإفلات منها حتى يثور - وأنا واثق من ذلك - ليدوس كتبنا وأمجادنا وتعاويذنا، وكل قوانيننا المضادة للطبيعة، فنرى فيه عندئذ سيدنا، وقد كان من قبل عبدنا، وعندها يسطع حق الطبيعة بكل نوره .
إليك يا سقراط الحقيقة التي تزعم البحث عنها: أن الترف ، وإطلاق العنان للشهوات والحرية، عندما تسندها القوة، إنما هي عين الفضيلة والسعادة، أما ما عدا ذلك ، وأعني هذه الأفكار الجميلة وهذه الاصطلاحات المضادة للطبيعة فلا تعدو أن تكون حماقات وعد ما. "
أفلاطون : غورجياس
أ- المسلمات ا لضمنية :
تمكن قراءة متأنية لنص أفلاطون هذا من معاينة جملة من الإقرارات الضمنية التي يستند إليها موقف كاليكلاس ، من ذلك:
- إقرار ضمني بتصور للطبيعة مفاده أن الطّبيعة تخضع لضرورة بمقتضاها يتغلب القوي على الضعيف.
- إقرار ضمني بان الطبيعة وقوانينها تعد مقياسا إيجابيا ومرجعا أو نموذجا يستند إليه في تحديد القيم ، وفي هذا استبعاد لتصور آخر للطبيعة يقوم على اعتبارها معيارا متعاليا على الإنسان ( أفلاطون ).
- إقرار ضمني بتصور للانسان بما هو كائن رغبات وأهواء أي أنه يستبعد وجود مبدأ منظم أعلى مرتبة من الرغبة هو النفس .
ب- التبعات:
أما التأمل في ما يمكن أن يترتب عن موقف كاليكلاس في هذا النص من تبعات نظرية و/ أوعملية فإنه يكشف عما يلي :
- تثمين الفردية المتمثلة في التركيز على الفرد باعتباره كائن الرغبة الذي يمكنه أن يشبع كل رغباته بصفة لا مشروطة اعتمادا على ما منحته الطبيعة من قوة يؤول إلى إقصاء الكلية كقيمة وجعل العنف يصبح سيد الموقف بين الأفراد.
- كما يترتب عن موقف كاليكلاس المكرّس لاستراتيجية اللذة استحالة كل حوار حقيقي ، لان الخطاب قد وقع تأليته (تحويل الخطاب إلى أداة صرا ع ). هناك إقصاء للكلية وللحوار لأن الدياليكتكية تفترض التناقض ، ولكن التناقض هنا وقع إقصاؤه . مآل هذه الاستراتيجية هو انهيارها المحتم بسبب تهافتها الداخلي الراجع إلى أن الرغبة لا تندرج في الزمن من حيث هو ديمومة بل هي لا تظهر إلا في الحين ، والسعادة الموجودة تبقى رهينة القوة التي تبقى أساسا ظرفية. إن اللذة المرتبطة بسياسة القوة ليست لذة ثابتة لأنها مهددة بسبب تولد قوة أخرى تكون لها الغلبة على القوة الأولى مما يخلف لها ألما أقوى من اللذة، فعلاقة السيد بالعبد هي علاقة متداعية وإبادة ما تكون عن كونها طبيعية.
- يترتب عن موقف كاليكلاس كذلك تكريس الوضع السياسي السائد واستبعاد كل إمكانية للانفتاح على ما يمكن أو ما يجب أن يكون ... وعلى مستوى العلاقة بين الشعوب ، لا يمكن لهذا الموقف إلا أن يفضي إلى تكريس سياسة إمبريالية ونزا ع دائم .
2) نص لجان جاك روسو:
" إنه لكثير أن يكون الحاكم قد تمكن من جعل النظام و السلام يستتبان في جميع أرجاء الجمهورية، وكثير أن تسلم الدولة ويحترم القانون ... ولكن إذا وقع الاقتصار على ذلك فالأمر في هذه الحالة يكون مظهرا أكثر مما هو واقع ، وستجد الحكومة عندئذ صعوبة في أن تطاع إذا كان لا هم لها غير الطاعة.
وإذا كان من المستحسن معرفة استعمال البشر كما هم في واقع أمرهم فإنه لمن المستحسن أكثر بكثير جعلهم يصبحون على نحو ما هو مرغوب في أن يكونوا عليه. إن مطلق السلطة هي تلك التي تنفذ إلى أعماق الإنسان وتمارس على الإرادة بقدر ما تمارس على الأفعال .
وأنه لمن المؤكد أن الشعوب تكون على المدى الطويل ، على النحو الذي جعلتها عليه حكوماتها، فهي تجعل منهم محاربين أو مواطنين أو بشرا متى أرادت ذلك ، وتجعل منهم سوقة أو أراذل إذا ما عن لها ذلك - لهذا السبب فان كل أمير يحتقر رعاياه يفقد بفعل ذلك شرفه مبيّنا بدلك أنه لم يستطع أن يجعل منهم أناسا جديرين بالاحترام. كونوا إذن بشرا إذا أردتم أن تحكموا بشرا فإذا أردتم أن يطيع الناس القوانين أحرصوا على أن يحبوها، بحيث يقومون بالواجب حالما يخطر ببالهم وجوب القيام به . "
ج ج . روسو
أ - المسلمات ا لضمنية:
يقوم موقف روسو في هذا النص على جملة من المفترضات المسلم بها ضمنيا من ذلك :
- أن الإنسان قابل للاكتمال
- أن كل ما يصدر عن " أعماق الإنسان " وعن إرادته لا يكون إلا كليا وخيرا .
- أن الإنسان يفتقر إلى سلطة سياسية لأن الإنسان في المجتمع لم يعد على طيبته التي يفترض أنه كان عليها في "حالة الطبيعة" بل تشوّه.
- أن مقصد روسو الصريح هو أن ينعم المواطن في ظل السلطة بالاستقلالية. ويفترض ذلك ضمنيا نفي العلاقة الخارجية بين الطاعة و القانون و الإقرار بعلاقة تلازمية بين القانون و الإرادة. و الإرادة المعنية في هذا السياق هي إرادة غير قابلة للمساومة و التنازل ومعبرة عن جوهر الإنسان.
- أن المواطن هو الشخص الذي لا يقتصر سلوكه على مطابقة آلية وخارجية للقانون بل هو من يكون سلوكه نابعا من باطنيته و إرادته ومطابقا للإرادة العامة (بناء على قوله في النص : " يقومون بالواجب ... في وجوب القيام به ".
- إنه من الضروري التفريق بين القانونيّة والمشروعية في الحديث عن السلطة السياسية (بناء على ما ورد في النص من نقد للحكومة التي " لا هم لها غير الطاعة " وبناء على قوله بشأن المشروعية "... مبينا بذلك أنه لم يستطع أن يجعل منهم أناسا جديرين بالاحترام ".
ب - ا لتبعات:
مما يترتب عن موقف روسو في هذا النص :
- أن التربية عملية ضرورية في إكساب الفرد صفة المواطنة، فالمواطنة ليست معطى بديهي بل هي مكسب يتحقق بفضل عملية تربوية شاقة ومتعقلة.
- إن وجود الدولة أمر ضروري ومتأكد لتحقيق هذا المطلب ( لاكتساب صفة المواطنة ) ذلك أن " المرغوب فيه " الذي يمثل بالنسبة لروسو قيمة مرجعية لا وجود له في وعي الفرد ولا في الوعي الجمعي بصفة تلقائية بل يوجد في ظل الحكومة كمؤسسة. يلزم عن ذلك أن دور الدولة لا يتمثل في تطويع النفوس بل وظيفتها تربوية ( تتمثل في مساعدة الذات على الانفتاح على الكلي ) و أخلاقية ( تتمثل في جعل المواطن قادرا على أن يقوّم عقلانيا القوانين فيخضع لها بمقتضى الاستقلالية لا بمقتضى الإكراه والقسر الخارجي ).
- التأسيس " لحكومة " مثالية لا تستمد شرعيتها من الإكراه والعنف بل من إرادة المواطنين . إن اعتماد الغائية كفكرة ناظمة يسمح بتقويم ا لوضع السياسي القائم ويمكن من الانفتاح على أفق تتحقق فيه الفضيلة ومن أوجه هذا التقويم أنه خلافا لما عليه الحال في الحكومات الواقعية فان السياسة الحق لا يمكن أن تكون قائمة على الديماغوجية التي يتلاعب فيها الساسة بأهواء الناس قصد ضمان استئثارهم بالسلطة، ومن أوجه هذا التقويم كذلك اعتبار أن السلم الحقيقي لا يكون عنفا. إن السياسة ليست مجرد تقنية تصرف في الحيلة الاجتماعية يعهد بها إلى أخصائيين وخبراء بل يجب أن تكون حقا فضاءا لتحقيق غايات أخلاقية تتمثّل أساسا في استقلالية المواطن .
3 - نص لأفلاطون من محاورة " تيتاتوس " ( انظر النص )
أ- المسلمات الضمنية:
إن قراءة معمقة لنص أفلاطون هذا تسمح بالكشف عما تستند إليه أطروحة الكاتب فيه من مسلمات ضمنية أهمها:
- أن الحقيقة مطلوبة لأن حتى بروتاغوراس نفسه يطلبها ولكن نوع طلبه لها يجعله يفقدها.
- أن الحقيقة واحدة (لا تقبل التعدد والنسبية).
- تصور ضمني للوجود يقرّ بمقتضاه أفلاطون أن الوجود في أساسه ثابت قار وان ما هو متغير ليس إلا المظهر.
- أن دور الخطاب يكمن في قدرته على قول الوجود وأنه بالتالي لا ينبغي الخلط بين الوجود و المظهر.
- كما يمكن الكشف عن المسلمة الضمنية الأساسية للأطروحة المقابلة ( التي يدحضها أفلاطون في نصه ) وتتمثل في الإقرار بالطابع البراغماتي النفعي للحقيقة ، كمقياس تقدّر به قيمتها.
ب - التبعات:
لموقف أفلاطون في هذا النص تبعات نذكر منها :
- تبعات ابستمولوجية (من وراء دحضه للنسبوية السفسطائية يهدف أفلاطون إلى وضع الأسس الانطولوجية و الابستمولوجية " للعلم "، بحيث يكون للخطاب مرجع أنطولوجي ثابت (يمثل الحقيقة)، وعندها يصبح التحاور ممكنا، وهدا ما يهيّئ لقيام العدل بين أفراد المدينة.
- من تبعات الأطروحة المقابلة ( الأطروحة السفسطائية ) التي يدحضها أفلاطون في نصه تعارضها مع مبدأ الهوية ( وبالتالي مبدأ عدم التناقض ) وهو ما يجعل العلاقة بين الناس علاقة صراع بلاغي يهدف أولا و آخرا إلى إفحام الخصم ( أي إلى الغلبة ) فتنتفي بذلك كل الحظوظ لقيام تواصل حقيقي .
- أن هناك حاجة متأصلة إلى العدل لدى الإنسان وهو ما يوجب ضرورة محاربة العنف والظلم .
4- نص أرسطو : " الإنسان حيوان سياسي ":
أ- المسلمات ا لضمنية :
يقوم موقف أرسطو في هذا النص على جملة من الإقرارات الضمنية نذكر منها :
- إقرارا بأسبقية المجتمع على الفرد الإنساني.
- إقرارا بأن العقل ( لوغوس ) هو ما يجعل المدينة أمرا ممكنا لأنه بدون العقل لا نطّق وبدون النطق يتعذر التمييز بين العدل والظلم وبالتالي بين الخير والشر.
- ما يوحد بين البشر هو " اللوغوس " فالاشتراك في مشاعر الخير والشر لا يكون إلاّ عن طريق اللوغوس .
- إقرارا بان الوجود السياسي للانسان يقوم على منظور غائي ومعياري للطبيعة يتلخص في أن الطبيعة قد خصّت الإنسان بالقدرة على النطق بما هو شرط إمكان توحيد البشر داخل أكمل أشكال الوجود الاجتماعي ألا وهو " المدينة"
- إقرارا بتصور مزدوج للإنسان فهو عقل ( لوغوس ) من جهة وأهواء من جهة أخرى ( وذلك بناء علّى قوله بأن الإنسان يشترك مع بقية الحيوانات في التصويت الذي يشير إلى الألم واللّذة.
ب - التبعات :
من أهم ما يترتب عن موقف أرسطو في هذا النص :
- إذا كان أساس المدينة ينبني على خاصّية النطق الإنسانية فإنه يترتب عن ذلك أن العلاقات البشرية يجب أن تنبني على ما به يكون الإنسان كائنا ناطقا. ( أي العقل ) وإلا أفضى ذلك إلى انتظام التجمع البشري وفق التصويت أي وفق الصراع وطبقا لمبدأ اللذة و الألم فيكون المجتمع مجتمعا حيوانيا.
- حتى تكون المدينة فاضلة لابد من الاحتكام إلى العقل ، وعدم تحقق اللوغوس في تنظيم الشأن السياسي من شأنه أن يُحدث طوارئ من قبيل تشوه السياسي المتمثل في طغيان الظن وسيطرة الأهواء المفضية جميعها إلى تفشي مظاهر الصراع و العنف .
- ضرب المنظور السفسطائي للسياسة من جهة كونه يقوم على نظرة اصطلاحية للشأن السياسي .
التعريف:
يلجأ الفلاسفة في تناولهم للمشاكل الفلسفية إلى أشكال مختلفة من الحجاج في الدفاع عن أطروحاتهم ودعمها، وفي دحضهم لأطروحة فلسفية أو غير فلسفية تتعلّق بالمشكل الذي يفكرون فيه. ومن الأشكال المعهودة في الحجاج الفلسفي:
أ - الحجاج بالمماثلة :
ويقصد بالمماثلة منهجا إستقرائيّا، والمماثلة هي مبدأ إستكشافي خصب يسمح بالتعرف على التماثل أو التشابه القائم في مستوى علاقة وهي تزيح الغشاء عن علاقة غير متوقعة بين وقائع مختلفة في ما بينها ومن شأن هذا الأسلوب في الحجاج أن يؤثّر أكثر في نفس المتلقي بما يعتمده من لجوء إلى صور لها صلة بالمعيش المباشر. ويمكن أن نجسم هذا الأسلوب الحجاجي من خلال هذا النص لديكارت:
" ...ومن المؤكد أنّنا لا نرى ( الناس ) يهدمون كلّ بيوت مدينة لمجرد إعادة بنائها على نحو مخالف ، وجعل طرقها أكثر جمالا، بل نحن نرى الكثيرين يهدمون منازلهم لتجديد بنائها، وربما أجبروا أحيانا على ذلك عندما تأذن بالانهيار، وعندما تكون غير ثابتة الأسس . وعلى ذلك المنوال ، رأيت أنه من غير الممكن أن يضع أحد الأفراد لنفسه مشروعا لإصلاح دولة بتغيير كل ما فيها من الأسس ، وقلبه قلبا حتى يقومه ، أو حتى لإصلاح كلّ العلوم أو نظام تدريسها السائد بالمدارس : ولكن بخصوص كلّ الآراء التي تلقيتها إلى ذلك الحد في اعتقادي ، فإن أحسن ما كنت أستطيعه بشأنها هو السعي إلى انتزاعها دفعة واحدة منه ، كي أضع مكانها ما هو أحسن منها، أو (أستعيدها) بذاتها عندما أكون قد صقلتها بالعقل. وأعتقد راسخا أنني سأنجح بذلك في توجيه حياتي أحسن مما لو أنني لم أبن إلا على أسس قديمة، ولم أستند إلا إلى المبادئ التي تركت نفسي تقتنع بها في شبابي ، دون أن أنظر البتة في ما إذا كانت صحيحة، إذ أنني رغم ما لاحظته في ذلك من صعوبات جمة ، فإنها لم تكن بتاتا بدون حل ، ولا هي شبيهة بالتي توجد في إصلاح أبسط الأشياء التي تهمّ العموم فهذه الأوزار يصعب جدا رفعها بعد انهيارها، و(يصعب ) حتى شدها بعد اهتزازها، ولا يمكن أن يكون سقوطها إلاّ عنيفا. وبخصوص نقائصها، إن كانت لها (نقائص )، وما تشعبها إلاّ دليل على احتمال الكثير منها لها، فإن الاستعمال قد أنقص بدون شك كثيرا من حدتها، بل جعل (الناس ) يبتعدون عن الكثير منها، أو يقوّمونه دون أن يشعروا، وبكيفية أحسن مما لو أنّهم طلبوا ذلك عن روية وأخيرا، فان تحملها يكاد يكون دائما أيسر من تغييرها.
غير أنني كمثل رجل يمشي وحيدا في الظلمات ، قررت أن أسير ببطء ، وأن أتسلّح بجانب من التحري إزاء كلّ الأشياء، بحيث أحتمي من السقوط حتى وان كنت لم أتقدّم إلاّ قليلا جدا . ."
ر.ديكارت: " حديث ا لطريقة " ( القسم ا لثّاني )
ترجمة عمر الشارني ص 51
ب - الدحض :
وهو إجراء نقدي يقصد به بُيان أن استدلال الخصم يخرق قواعد اللسان أو المنطق رغم أنه يبدو في الظاهر صالحا. ويتخذ الدحض أشكالا معيّنة :
- دحض الأطروحة بإبراز تناقضها ا لدّاخلي:
انظر مثلا التناقض الّذي يتضمنه النّصّ المقتطف من " التيتاتوس " . لأفلاطون
- دحض الأطروحة دحضا داخليا ببيان طابعها العبثي أي تعارضها مع مقتضيات العقل المنطقيّة:
انظر مثلا هذا النّص لجون جاك روسو من مؤلّفه : " في العقد الإجتماعي " :
" لننظر لحظة في هذا الحق المزعوم - أقول أنّه لا ينتج عنه سوى هراء يستعصي علّى الفهم . إذ حالما تكون القوّة هي الّتي تصنع الحق ، فإن النتيجة تتغير بتغير السبب - فكل قوة تعلو على التي سبقتها ترث حقها. وكلما أمكن العصيان دون التعرّض للعقاب ، صار مباحا شرعيا. وبما أن الأقوى هو دوما على حق ، يصبح هدف كل واحد تحقيق ما من شأنه أن يجعل منه الأقوى. لكن أي حق هذا الذي يتلاشى بتلاشي القوة ؟ فإذا لزمت الطاعة بمقتضى القوة، لم تعد من حاجة إلى الطاعة بمقتضى الواجب – وإذا لم يعد المرء مرغما على الطاعة قسرا، أصبح في حلّ منها، نرى إذن أن كلمة الحق هذه لا تضيف شيئا إلى القوة إنها لا تعني هنا شيئا على الإطلاق ."
يتعلق الأمر في هذا النص ببيان تصادم أطروحة: ( القول .بحق الأقوى ) مع العقل لأنها تفضي إلى اللا معنى، كما هو بين في النصّ.
- دحض أطروحة، دحضا خارجيا بتعديل الأطروحة الأصليّة، بحيث تدمج ضمن أطروحة أشمل منها.
أنظر مثلا نص ليبنيتز أو كذلك هذا النص لجان جان روسو:
" إن الزعم الذي يفترض القول بأن إنسانا ما يهب نفسه مجانا هو ضرب من اللامعقول ويستحيل تصوّره ، فمثل هذا الفعل لا شرعي ولاغ لمجرد أن الذي يقوم به يفتقد الحس السليم ، وإذا قيل نفس الشيء عن شعب برمته ، فإن ذلك يفترض شعبا من المجانين . وما كان الجنون يوما أساسا للحق . حتى لو أن في مقدرة كل أحد أن يتنازل عن شخصه ، فهو لا يستطيع التنازل عن أبنائه - إنّهم يولدون بشرا أحرارا . وحريتهم ملك لهم وليس لأحد سواهم حقّ التصرّف فيها. في وسع الأب قبل أن يبلغوا سن الرشد أن يحدد باسمهم شروطا لحفظ بقائهم وتوفير رفاهيتهم ، لا أن يهبهم دون رجعة ودون شرط ، ذلك لأن مثل هذه الهبة مخالفة لغايات الطّبيعة وتتجاوز حقوق الأبوة. من اللازم إذن حتى يكون حكما تعسّفيّا شرعيا، أن يكون للشعب في بداية كل جيل كامل الحرية في أن يقبله أو أن يرفضه. لكن هذا الحكم سوف لا يكون تعسّفيا وقتئذ.
إن تخلّي المرء عن حريّته ، إنما هو تخل عن صفته كإنسان ، وعن حقوق الإنسانية وحتى عن واجباتها. وليس من تعويض ممكن لأيّ يتخلى عن كل شيء. إن مثل هذا التخلي يتنافر مع طبيعة الإنسان ، فتجريد إرادته من كلّ حرية إنما هو تجريد لأفعاله من كلّ صفة أخلاقية. ختاما أقول أن اتفاقية تنص على السّلطة المطلقة من طرف ، وعلى الطاعة اللاّمحدودة من الطرف المقابل لهي اتفاقية متناقضة وواهية. أليس من الواضح أن المرء لا يلتزم بشيء نحو من يحق له أن يطلب منه كل شيء ؟ ألا يجر هذا الشّرط بمفرده دون مقابل ودون بدل - إلى بطلان العقد ؟ إذ أي حق لعبدي عليّ والحال أن كل ما لديه ملك لي ، وحقه إنما هو حقي - هذا الحق الّذي هو لي وعلى حسابي إنّما هو كلمة خالية من كل معنى. ".
ج -ج روسو : " في العقد الاجتماعي "(ص 13 -14)
ترجمة عمار الجلاصي وعلي الأجنف - دار المعرفة للنّشر - تونس 1980
ج - ا لحجاج بالخلف:
تقع البرهنة على القضية من خلال بيان التبعات المترتبة عن افتراض القضية النقيضة للقضية الّتي يراد البرهنة عليها.
أنظر مثلا هذا النص لأبيقور في مستوى اللّحظة الثّالثة من مسار الحجاج فيه:
" عود نفسك على فكرة أن الموت هي لا شيء بالنسبة إلينا. إذ أن كل خير وكل شر يكمن في الإحساس ، والحال أن الموت إلغاء كلّي لهذا الأخير.
إن هذه المعرفة المؤكدة بأن الموت لا شيء بالنسبة إلينا ينتج عنها تثمين أفضل للمسرات الّتي تمنحها إيانا الحياة الفانية، لأنها لا تضيف إليها ديمومة لا نهائيّة وإنما تنزع عنا في المقابل الرغبة في الخلود. وبالفعل فإنّه لا شيء يثير الرعب في الحياة بالنسبة إلى من فهم فعلا بأن لا شيء في اللا حياة يدعو إلى الرعب .
- هكذا علينا أن نعتبر أحمق من يقول إنّنا نخشى الموت ، لا لأنها تكربنا عندما تحل بنا وإنما لتألّمنا بعد من فكرة كونها آتية يوما ما إذ لو أن أمرا لا يسبّب لنا أي اضطراب بحضوره فإن القلق المقترن بانتظارنا له يغدو دونما أساس.
- وهكذا فمن بين الشرور الّتي ترتعد لها فرائصنا يكون أعظمها شأنا هو لا شيء بالنسبة إلينا، إذ طالما نحن على قيد الحياة فالموت ليس هنا، وعندما يكون الموت نكف تماما عن أن نكون ".
أبيقور :" رسالة إلى مينيسي "
ملاحظات:
ملاحظة أولى : يمكن أن يتضمن النص الفلسفي الواحد عدة أساليب حجاجيّة متساندة ذلك ما نلاحظه مثلا في النص السابق حيث يعتمد أبيقور:
§ في لحظة أولى : القياس ، والقياس هو خطاب ينطلق مع معطيات معينة بحيث تترتب عنها ضرورة نتائج معينة:
- قضية كبرى: أن كل خير وكلّ شر يكمن في الإحساس.
- قضية صغرى : والحال أن الموت إلغاء كلي للإحساس.
- نتيجة: إذن لا خير و لا شر في الموت.
ملاحظة: هذه النتيجة ليست معلنة بصورة صريحة ولكنها متضمنة في هذا القياس .
§ في لحظة ثانية : الاستقراء ويتمثّل الإستقراء في المرور من قضية خاصة إلى قضيّة كلية وذلك إما بالانطلاق من حالة خاصّة أو حدث ، لاستخلاص نتيجة عامة أو بالانطلاق من خاصية محدّدة بالنسبة إلى مجال معين وتعميمها على جميع المجالات :
- ما يزعجنا في الحياة هو الموت
- إذا لم نعد نخشى الموت.
- فلاشيء إذن يزعجنا في الحياة.
§ في لحظة ثالثة : يعتمد برهنة دحضية غير مباشرة قائمة على بيان الطابع العبثي للأطروحة المقابلة.
- أن الموت يزعجنا بفعل انتظارنا له .
- والحال أن الموت لا يسبب لنا أي ضرر بحضوره .
- إذن خوفنا منه لا معنى له .
وفي لحظة رابعة وأخيرة يعتمد الكاتب برهنة شرطية منفصلة وهذا النوع من الاستدلال قابل لأن يرد إلى قياس،
القضية الأولى فيه تعتمد الوصل " بأو " .
- نخاف من الموت : أ - إما أن نكون عندها على قيد الحياة.
ب - وإما أن نكون ميتين .
أ ) فإذا كنا على قيد الحياة : فلا موت ولا داعي للخوف .
ب ) وإذا كنا ميتين فلا إحساس ولا داعي كذلك للخوف .
في كلتا الحالتين سواء كنا أحياء أو أمواتا لا معنى للخوف من الموت .
ملاحظة ثانية : لمجاوزة مزلق الصوريّة عند تحليل نمط الحجاج في نصّ فلسفي يمكن دعوة المتعلمين إلى قراءة النص قراءة متأنية هدفها المسك بالنمط الحجاجي الذي اعتمده الفيلسوف في أهمّ أطواره قصد التأكد من وجاهة الأطروحة، وذلك بغرض التأكيد على التلاحم القائم بين أسلوب الدحض ومضمونه ا لفلسفي.
الهدف: أن يصبح المتعلّم قادرا على بيان أهميّة الحجاج في الفلسفة بما يساعده على قراءة النصّ الفلسفي وفهمه فهما سليما وتوظيف بعض أساليب الحجاج عند تحريره للمقال الفلسفي .
· المهمة 6: تحديد الأطروحة المقابلة وبيان كيفيّة دحضها.
التعريف:
لما كان مقصد القول الفلسفي التواصل فإن بنيته غالبا ما تكون قائمة - إن بشكل صريح أو بشكل ضمني - على محاورة طرف أو أطراف متعددة قصد :
- تعديل الأطروحة المقابلة بإضافة ما تكون قد أهملته أو غفلت عنه بناء على إشكالية جديدة يبنيها الفيلسوف.
- أو دحض الأطروحة المقابلة دحضا داخليا من خلال بيان تهافتها.
الهدف:
أن يصبح المتعلم قادرا على رصد مرمى الحجاج في النص الفلسفي وتعيين الأطروحة أو الأطروحات المقابلة التي يحاورها الكاتب ( و التي تكون أحيانا معلنة صراحة ) وهو ما يساعد على تمثل مسار الحجاج وفهم أطروحة الكاتب في اختلافها عن غيرها من الأطروحات .
التطبيق:
انظر مثلا التناقض الّذي تتضمنه محاورة " تيتاتوس ":
" - سقراط : لنترك جانبا كل شهادة أخرى ولنستأصل من أقرب السبل هذا الاعتراف من خطاباته نفسها ( أي خطابات بروتاغورا س )
- ثيودوروس : كيف ذ لك ؟
- سقراط : هكذا : أليس يقول أن كل ما يظهر لأحد يوجد بالفعل بالنسبة إلى هذا الذي ظهر له ؟
- ثيودوروس : هذا بالفعل ما يقول .
- سقراط : وماذا عن بروتاغوراس نفسه ؟ لنفترض انه لم يعتقد هو نفسه أن الإنسان مقياس كل الأشياء ولنفترض كذلك أن معظم الناس لا يعتقدون ذلك. وبالفعل هم لا يعتقدون ذلك - أفلا يكون من الضروري أن الحقيقة كما عرفها لا تكون موجودة بالنسبة لأي كان ؟ وإذا افترضنا أن بروتاغوراس يقر بذلك في حين أن الجمهور لا يشاطره رأيه ، نستنتج أنه على قدر ما يكون المنكرون لمبدئه أكثر عددا من الّذين يقرونه يرجح خطأ مبدئه ذاك على صدقه ؟
- ثيودوروس : هذا ما لا يمكن أن يرفض إذا كان وجود الحقيقة أو عدم وجودها متوقفا على رأي كل فرد.
- سقراط : وزيادة على ذلك نستنتج مما سبق شيئا مضحكا تماما وهو أن بروتاغوراس عندما يرى خصومه أنّه مخطئ في رأيه يعترف أن رأيهم هذا صائب بما أنه يعترف أن الآراء لا تكون إلا صائبة.
- ثيودوروس : فعلا .
- سقراط : إذن فهو يعترف بأن رأيه مخطئ عندما يقر بصدق رأي من يعتقدون أنه على خطأ.
- ثيودوروس : بالضرورة .
- سقراط : لكن الآخرين لا يرون أنّهم على خطأ ؟
- ثيودوروس : كلاّ بكلّ تأكيد .
- سقراط : لكن بروتاغوراس -بالعكس - يعترف أن هذا الرأي صواب كذلك إذا ما اعتمدنا على كتاباته ؟
- ثيودوروس : هذا بديهي .
- سقراط : إن الحقيقة الّتي يقرها بروتاغوراس تكون إذن تحت وطأة شكّ الجميع بدءا منه هو نفسه بل أن بروتاغوراس - باعترافه بصدق رأي من يعارضونه - سيعترف هو نفسه أن لا كلب ، ولا أول من يلتقي من الناس مقياس أي شيء من الأشياء ما لم يدرسه - أليس هذا دقيقا ؟
- ثيودوروس : دقيق.
- سقراط: إذن ما دامت الحقيقة الّتي يراها بروتاغوراس قابلة للرّفض من قبل الجميع، فإنها ليست حقيقة بالنسبة إلى أحد : لا بالنسبة إليه ولا بالنسبة إلى أي كان سواء ".
أفلاطون: " تيتاتوس "
" الإنسان مقياس كل شيء " : ذلك هو تعريف بروتاغوراس للحقيقة. يرفض أفلاطون - في محاورته لهذه الأطروحة - اعتماد النقد الخارجي بل يتوخى أسلوب الدحض الداخلي القائم على بيان تهافت أطروحة بروتاغوراس وذلك كالتالي :
أ - عرض الأطروحة المقابلة المعنية بالأمر : " الإنسان مقياس كل شيء "
ب - دحضها وذلك :
- بعرض افتراض أول: أن بروتاغوراس وأغلب الناس ينفون مضمون هده الأطروحة ثم بيان نتيجة هذا الافتراض ألا وهي: أن الحقيقة كما تحددها أطروحة بروتاغوراس لا وجود لها.
- بعرض افتراض ثان: قول بروتاغوراس بمضمون أطروحته و إنكار أغلب الناس لها ثمّ بيان نتيجة هذا الافتراض الثاني:
1 - خطأ إقرار بروتاغوراس مرجح على صوابه .
2 - إقرار بروتاغوراس برأي الآخرين القائل بخطأ أطروحته بما أن بروتاغوراس نفسه يقرّ أن كل الآراء
صائبة.
استنتاج أول: اعتراف بروتاغوراس بخطئه : بروتاغوراس مخطئ في نظره هو نفسه .
استنتاج ثان: بروتاغوراس مخطئ في نظر الآخرين.
استنتاج ثالث: (هو نتيجة للاستنتاجين السابقين ) : إن بروتاغوراس مخطئ .
بالنسبة للجميع بمن فيهم هو نفسه إذن قول براتوغوراس بأن " الإنسان مقياس كل شيء " هو قول باطل لأنّه يناقض نفسه .
وهكذا بطل قول بروتاغوراس لأنه متهافت .
· المهمة 7 : وظيفة المثال و منزلته.
التعريف:
عادة ما تستخدم النصوص الفلسفية المثال أداة لتجسيم فكرة نظريّة غير أن الفيلسوف قد يلجأ إلى المثال لتحقيق أغراض أخرى. وهو ما يخول لنا الحديث عن تعدد وظائف المثال وتنوعها في الحجاج الفلسفي . يمكن التمييز بين الحالات التالية:
- اعتماد المثال لتجسيم فكرة نظريُة:
إن المثال ليس بحد ذاته حجّة أو استدلالا، بل هو يستمد قيمته من حجاج سابق ، بحيث لا يكون غير تجسيم لذلك الحجاج أو مجرّد تمثيل مجسّم ملائم له:
( مثال ذلك اعتماد هوسرل لمثال المنضدة ومثال البيت لتوضيح قصديّة الوعي وذلك في مؤلفه: " تأملات ديكارتية ".)، أو تأييد لتحليل مفهومي يكون منطقيّا سابقا عليه (انظر الأمثلة المتعددة التي يعتمدها سبينوزا لبيان وهميّة الاعتقاد في الحرية بسبب جهل الأسباب المحددة للسلوك ، ودلك في مؤلفه : " الأخلاق " ( انظر النص في كتاب " أنا أفكر " . ( آداب ) ).
- اعتماد المثال كقاعدة للإستدلال الاستقرائي:
يتعلق الأمر بالاستدلالات التي تتمثل في صياغة قانون عام إنطلاقا من ملاحظة كثير من الحالات الخاصة المتماثلة. وهذا الأمر يعد كاريكاتورا للإستقراء العلمي إذ يقتصر على مقاربة عرضية وسطحية، ويخلط ضمن عملية التجريد بين ما هو مشترك من جوانب عرضية في مجموعة من الوقائع وبين خصائصها الأساسية التي تشترك فيها. ( نجد تجسيما لذلك غالبا في أعمال التلاميذ الذين يقتصرون على إعتماد مثال أو أمثلة متعددة اعتقادا منهم أنها تعوض التحليل ، فيسقطون في التعميم المتسرّع الّذي لا يشكل برهنة فعلية.)
- اعتماد المثال المعاكس كحجة في الحجاج الدّحضي:
مثال ذلك اعتماد ليبنيتز لمثال ما يجري في جزر المحيط المتجمد القطبي وذلك لتفنيد التعميم المتمثل في الاعتقاد الرّاسخ في تعاقب الليل والنهار تعاقبا منتظما قبل انقضاء أربع وعشرين ساعة في كلّ مكان من الأرض.
( انظر النص )
الهدف: أن يصبح المتعلم قادرا على:
- تحديد نوع المثال ووظيفته بما يساعد على فهم النص أو على التوظيف السلّيم للمثال عند كتابة المقال الفلسفي .
- بيان حدود المثال في الحجاج الفلسفي:
فالمثال كما ذكرنا لا يقوم بحدّ ذاته مقام حجة أو استدلال ، لذلك وجب الوعي بأن تعداد الأمثلة التي تسير في نفس الوجهة أي تؤيد أطروحة ما هو أمر أقرب إلى تقنية إقناع بلاغية منه إلى تقنية حجاج . إذ يراد بذلك الحصول على موافقة الطرف الذي يتوجه إليه الخطاب مع تغييب لجهد البرهنة العقلية، وهو مزلق كثيرا ما يسقط فيه المتعلمون الذين يعتبرون عفويّا أن الإكثار من الأمثلة يقوم مقام استدلال ، وهو نفس المزلق الذي نبه إليه أفلاطون في العديد من "محاوراته " من ذلك اعتباره أن ذكر قائمة من الأشياء الجميلة لا يقوم مقام حجاج حقيقي يمكّن من تحديد مفهوم الجميل.
- تحاشي الخلط بين المثال والمجاز:
كثيرا ما يخلط المتعلمون بين إعتماد الفيلسوف للمثال في إطار الحجاج واعتماده إياه مجازا ، فالمجاز وظيفته توضيح علاقات منطقية مجردة من خلال إعتماد صور مادية وذلك بناء على تماثل مفترض بين الأفكار المجردة والعلاقات القائمة بين الصّور.
من ذلك اعتماد كانط لمجاز الحمامة الخفيفة التّي "تعتقد" أن طيرانها يصبح أيسر لولا معارضة الهواء لها في حين أنّها لا تستطيع الطيران إطلاقا في غياب الهواء وهو يجسد فكرة أساسية في فلسفة كانط النّقديّة ومفادها أن العقل البشري يعتقد أنه ينفذ إلى الحقيقة بسهولة أكثر لما يستعمل " المقولات القبلية للفهم " دون اكتراث بالمعطيات الحسية في حين أنه لو فعل ذلك لما تحصّل على أية حقيقة.
ويمكن الإحالة إلى نصوص عديدة أخرى تتضمن استخداما لمجازات توضيحيّة، مثلا:
§ نص لأفلاطون: أمثولة الكهف ( الكتاب السابع من .الجمهورية )
§ نص لديكارت : مجاز الهدم و الإصلاح (" مقالة الطّريقة " القسم الثّاني ) ( انظر النص ).
§ نص لكارل بوبر: مجاز " شباك الصيد " في الحديث عن النموذج العلمي:
" أعتبر النظريات العلمية اختراعات إنسانية هي بمثابة شباك نصنعها بأنفسنا لنصطاد بها العالم. فهي اختراعات تختلف لا محالة عن إبداعات الشعراء، وحتى عن اختراعات التقنيين . إذ ليست النظرية أداة فحسب . فما نطلبه هو الحقيقة. ونحن نختبر نظرياتنا لنقصي ما كان منها غير صحيح . وإنما لنتوصل هكذا إلى تحسين نظرياتنا - حتى بما هي أدوات - وذلك من خلال استنباط شباك تتلائم شيئا فشيئا مع مهمة اصطياد أسماكنا، أي العالم الواقعي ، و لكنّها مع ذلك لا تكون قط أدوات كاملة، بل هي شباك عقلية نحن صنعناها وينبغي ألا ننخدع فنحملها على أنها تمثل يستوفي كل جوانب العالم الواقعي ، حتى وإن كانت هذه النظريات باهرة النجاح أو بدا لنا أنها تعطينا مقاربات ممتازة للواقع ".
كارل بوبر : " الكون المفتوح "
دفاعا عن ا اللاحتمية.
دفاعا عن ا اللاحتمية.
§ نص ليبنيتز: مجاز الساعتين المتفقتين ، في الحديث عن علاقة النفس بالجسم .
" لنفترض أن هناك ساعتين متفقتين تماما كلّ مع الأخرى في الدلالة على الوقت ، مثل هذا الاتفاق يمكن أن يحدث على واحد من أنحاء ثلاثة : أولها أن يكون هتاك تأثير متبادل على الواحدة من الأخرى، والثّاني أن تكون الاثنتان معا خاضعتين لعناية مستمرة من مشرف يدأب على ضبطهما، والثّالث أن تظل كلّ منهما بذاتها دقيقة تماما في ضبط الوقت ، والطريقة الثالثة تقتضي صنع السّاعتين منذ البداية بمهارة وفن يضمنان لنا اتفاقهما في المستقبل ، وتلك هي الطّريقة التي أطلق عليها اسم الاتفاق المقدر.
فلو وضعنا النفس والجسم محلّ السّاعتين ، لوجدنا اتفاقهما أو انسجامها يمكن أن يحدث على واحدة من طرائق ثلاث: الأولى هي طريقة التأثير، وهي طريقة الفلسفة الشائعة، ولكن لمّا لم يكن ثمة وسيلة لتصور الطريقة التي يمكن بها أن تنتقل الدقائق المادية أو الصّفات اللامادية أو الأنواع الحسية من أحد هذين الجوهرين إلى الآخر فمن الواجب التخلي عن هذا الفرض. أما طريقة الاستعانة بمشرف فهي تعني إقحام الألوهية في حادث طبيعي مألوف ينبغي ، وفقا للمبادئ العقلية ألا يتدخل فيه شيء مضاد للمجرى العام للحوادث الطّبيعية، فلا يتبقى إذن سوى فرضي ، أعني طريقة الانسجام المقدر التي نقول فيها إن القدرة الإلهية قد صاغت الجوهرين منذ البداية ونظمتهما بدقة تبلغ من الكمال حدا يجعل كلاّ منهما، في سيره وفقا لقانونه الخاص الذي اكتسبه مع وجوده يتفق تماما مع الآخر، وكأن هناك تأثيرا متبادلا أو كأن الله يتدخل بيده دائما ليحدث هذا الاتفاق العام ".
ليبنيتز
ورد في كتاب " أفاق " لفؤاد زكريا -
( مكتبة مصر )
§ نص لهيغل: مجاز " الإسكافي " في الحديث عن ضرورة أن نجعل من تعلّم الفلسفة أمرا جديا.
" هناك ضرورة في أن نجعل من جديد من " التفلسف " أمرا جدّيا. فبالنسبة لسائر العلوم و الفنون والمهارات والمهن يسود الاعتقاد بأن الإنسان لا يحذقها دون أن يكلّف نفسه عناء ودون أن يبذل مجهودا لتعلّمها وممارستها، وعندما يتعلق الأمر بالفلسفة يسود اليوم على ما يبدو اعتقاد معاكس تماما للأول: إذا توفّر لإنسان متمتع ببصره وأصابعه قطعة من الجلد والأدوات فإنّه ليس في وسعه بالضرورة أن يصنع حذاءا، وفي المقابل يعتقد أن أي إنسان بإمكانه أن يقوّم الفلسفة لمجرّد تملّكه للمقياس المناسب لذلك في عقله الطبيعي كما لو أنه لا يملك بالمثل في ساقه مقياس الحذاء.
يبدو أن تملّك الفلسفة يفترض فيه أن يقوم بالذات على انعدام كلّ معرفة وكل دراسة وانهما ( المعرفة و الدراسة ) يصبحان غير ضروريين عندما يتعلق الأمر بالشروع في التفلسف . كثيرا ما تؤخذ الفلسفة على أنها معرفة شكلية فارغة من كل محتوى ولا يؤخذ بعين الإعتبار أن ما هو حقيقة من حيث المضمون في أي معرفة أو علم مهما كان لا يستحق اسم الحقيقة إلا بقدر ما يكون مترتبا عن الفلسفة ".
هيغل
" ظاهراتية الروح "
· المهمة 8 : بلورة المسار المنطقي للحجاج في النص الفلسفي.
التعريف:
إذا كان صحيحا أن الاقتضاء المتمثل في الصّرامة والتماسك الصوري ، هو اقتضاء يقود - من حيث الحق - كلّ قول فلسفي ، فإن ذلك من شأنه أن يجعل من النص الفلسفي نصا حجاجيا يستند في دفاعه عن أطروحة محددة إلى أدلة وحجج معينة، ويجيب عن اعتراضات فعليّة أو محتملة. وتتخذ عملية الحجاج هذه شكل مسار متدرج ومتماسك الحلقات يمكن تعيين بنيته الصريحة في قالب لحظات أو وحدات متمفصلة منطقيا، لكل واحدة منها دور في الحجاج .
الهدف:
أن يصبح المتعلم قادرا على تحليل النص وإعادة بنائه وفق نظامه المنطقي وبالتالي اجتناب مزالق معينة في التحليل كالمتابعة الخطيّة المتقطّعة للنصّ، أو الاكتفاء بتلخيصه تلخيصا سطحيا.
التطبيق:
نص ليبنيتز ( انظر النص ): تتمثل حركة تفكير الكاتب في المسار التالي:
- وحدة منطقية أولى: يطرح الكاتب المشكل الذي يقود تفكيره في هذا النص وهو المتعلق بتعيين أساس المعرفة ما إذا كان أساسها استقرائيا فحسب أم استقرائيا وعقليا معا ؟
- وحدة منطقية ثانية: عرض مختزل للأطروحة: أن العقل ليس صفحة بيضاء بل يحتوي أصليا على مبادئ توقظها التجربة الحسية.
- وحدة منطقية ثالثة: البرهنة على هذه الأطروحة وذلك باستحضار:
§ حجة أولى مضادة: أن تعدّد الأمثلة (استقراء) لا يمثل بحكم الحال إلا استقراء ناقصا ليس من شأنه أن يؤسس لكلية الحقائق التي يبحث عنها بل يمكن فقط من التحصيل على "حقائق خاصّة ومفردة".
§ حجة ثانية: تجسيم هذه الحجة الأولى بمثال ( ظاهرة عدم تعاقب الليل و النهار قبل انقطاع أربع وعشرين ساعة كما هو معهود ...) من شأنه أن يكذب تأسيس المعرفة على الاستقراء وذلك بملاحظة ظاهرة طبيعية تفند الحقيقة المستقرأة. ويقوم استخدام هذا المثال العكسي مقام حجة في تعديل الأطروحة الخبريّة ( لجون لوك ).
انظر تطبيقيا آخر لهذه المهمة المنهجية على نص ديكارت من مؤلفه : " قواعد لتوجيه الفكر".
· المهمة 9 : كشف المسلمات الضمنية التي يستند إليها موقف الكاتب في النص وتعيين ما يترتب
منها من تبعات.
التعريف:
يتعلق الأمر هنا ببلورة ما يفترضه القول الصريح للكاتب في النص من أوليات ، يعتبرها الكاتب عن وعي منه أو عن غير وعي ، بديهية، و تشكّل هذه المسلمات الضمنية شرط إمكان القول الصريح كما هو وارد في النص .
تنبيه: لا يتعلّق الأمر عند تدريب المتعلّمين على هذه المهمة المنهجية بدعوتهم إلى البحث عن مسلمات النسق الفلسفي للكاتب ، بل فقط إلى الكشف عن المسلمات الضمنية للنص المقترح عليهم ، دون اعتبار ضروري للنسق أو المذهب .
الهد ف:
أن يصبح المتعلم قادرا على استخراج مسلمات النص الضمنية وتحديد تبعاته باعتبار ذلك شرطا ضروريا لفهم النصّ وتحليله من جهة، ومحاورته نقديا أو تنسيبه عند الاقتضاء من جهة أخرى وذلك من خلال إعادة النّظر في مدى وجاهة مسلماته الضمنية أو قيمة التبعات النّظريّة والعمليّة، المترتبة عنه .
التطبيق:
1- نصّ لأفلاطون من محاورة " غورجياس "
" وهذا هو السبب الذي يجعل النّاس في ميدان القانون يحكمون على الطموح إلى الحصول على ما هو افضل مما لدى عامة الناس بأنه طموح غير عادل وقبيح ، وهذا ما يسمونه ظلما.
ولكن الطبيعة نفسها، حسب رأيي تعلن بأنه من العدل أن يحظى الأفضل بأكثر مما يحظى الأسوأ، وأن يحظى الأقوى بأكثر مما يحظى الأضعف .
إن هذه الطبيعة تكشف لنا بواسطة أمثلة عديدة، أن الأمر هو كما ذكرنا وأن الناس قد حكموا لا فقط بالنسبة إلى عالم الحيوان بل كذلك بالنسبة إلى الجنس البشري قاطبة، مدنا وأعرافا، بان العدالة تقتضي أن يحكم الأقوى في من هو أقل قوة منه وأن يحظى بالنصيب الأوفر.
وبالفعل لنا أن نتساءل بأي حق دفع كسرساس الحرب إلى بلاد اليونان ، وبأي حق دفعها أبوه إلى بلاد " السيت " فضلا عما يمكن ذكره من أمثلة لا حصر لها من نفس القبيل . كل هؤلاء في اعتقادي يقومون بهذه الأعمال وفقا لطبيعة الحق ووفقا - وحق زيوس - لقانون الطبيعة، لا - حسب الظاهر - وفقا للقانون الذي وضعه ا لبشر.
ألسنا نكون أفضل من فينا من الأفراد وأقواهم وذلك منذ نعومة أظافرهم مثل الأشبال لنستعبدهم وذلك بفتنهم وبإغرائهم بالشهرة، مؤكدين لهم أن في احترام المساواة يكمن الجمال والعدل ؟
ولكن يكفي أن يبرز رجل له من قوة الطبع ما يكفي لزعزعة هذه القيود وكسرها و الإفلات منها حتى يثور - وأنا واثق من ذلك - ليدوس كتبنا وأمجادنا وتعاويذنا، وكل قوانيننا المضادة للطبيعة، فنرى فيه عندئذ سيدنا، وقد كان من قبل عبدنا، وعندها يسطع حق الطبيعة بكل نوره .
إليك يا سقراط الحقيقة التي تزعم البحث عنها: أن الترف ، وإطلاق العنان للشهوات والحرية، عندما تسندها القوة، إنما هي عين الفضيلة والسعادة، أما ما عدا ذلك ، وأعني هذه الأفكار الجميلة وهذه الاصطلاحات المضادة للطبيعة فلا تعدو أن تكون حماقات وعد ما. "
أفلاطون : غورجياس
أ- المسلمات ا لضمنية :
تمكن قراءة متأنية لنص أفلاطون هذا من معاينة جملة من الإقرارات الضمنية التي يستند إليها موقف كاليكلاس ، من ذلك:
- إقرار ضمني بتصور للطبيعة مفاده أن الطّبيعة تخضع لضرورة بمقتضاها يتغلب القوي على الضعيف.
- إقرار ضمني بان الطبيعة وقوانينها تعد مقياسا إيجابيا ومرجعا أو نموذجا يستند إليه في تحديد القيم ، وفي هذا استبعاد لتصور آخر للطبيعة يقوم على اعتبارها معيارا متعاليا على الإنسان ( أفلاطون ).
- إقرار ضمني بتصور للانسان بما هو كائن رغبات وأهواء أي أنه يستبعد وجود مبدأ منظم أعلى مرتبة من الرغبة هو النفس .
ب- التبعات:
أما التأمل في ما يمكن أن يترتب عن موقف كاليكلاس في هذا النص من تبعات نظرية و/ أوعملية فإنه يكشف عما يلي :
- تثمين الفردية المتمثلة في التركيز على الفرد باعتباره كائن الرغبة الذي يمكنه أن يشبع كل رغباته بصفة لا مشروطة اعتمادا على ما منحته الطبيعة من قوة يؤول إلى إقصاء الكلية كقيمة وجعل العنف يصبح سيد الموقف بين الأفراد.
- كما يترتب عن موقف كاليكلاس المكرّس لاستراتيجية اللذة استحالة كل حوار حقيقي ، لان الخطاب قد وقع تأليته (تحويل الخطاب إلى أداة صرا ع ). هناك إقصاء للكلية وللحوار لأن الدياليكتكية تفترض التناقض ، ولكن التناقض هنا وقع إقصاؤه . مآل هذه الاستراتيجية هو انهيارها المحتم بسبب تهافتها الداخلي الراجع إلى أن الرغبة لا تندرج في الزمن من حيث هو ديمومة بل هي لا تظهر إلا في الحين ، والسعادة الموجودة تبقى رهينة القوة التي تبقى أساسا ظرفية. إن اللذة المرتبطة بسياسة القوة ليست لذة ثابتة لأنها مهددة بسبب تولد قوة أخرى تكون لها الغلبة على القوة الأولى مما يخلف لها ألما أقوى من اللذة، فعلاقة السيد بالعبد هي علاقة متداعية وإبادة ما تكون عن كونها طبيعية.
- يترتب عن موقف كاليكلاس كذلك تكريس الوضع السياسي السائد واستبعاد كل إمكانية للانفتاح على ما يمكن أو ما يجب أن يكون ... وعلى مستوى العلاقة بين الشعوب ، لا يمكن لهذا الموقف إلا أن يفضي إلى تكريس سياسة إمبريالية ونزا ع دائم .
2) نص لجان جاك روسو:
" إنه لكثير أن يكون الحاكم قد تمكن من جعل النظام و السلام يستتبان في جميع أرجاء الجمهورية، وكثير أن تسلم الدولة ويحترم القانون ... ولكن إذا وقع الاقتصار على ذلك فالأمر في هذه الحالة يكون مظهرا أكثر مما هو واقع ، وستجد الحكومة عندئذ صعوبة في أن تطاع إذا كان لا هم لها غير الطاعة.
وإذا كان من المستحسن معرفة استعمال البشر كما هم في واقع أمرهم فإنه لمن المستحسن أكثر بكثير جعلهم يصبحون على نحو ما هو مرغوب في أن يكونوا عليه. إن مطلق السلطة هي تلك التي تنفذ إلى أعماق الإنسان وتمارس على الإرادة بقدر ما تمارس على الأفعال .
وأنه لمن المؤكد أن الشعوب تكون على المدى الطويل ، على النحو الذي جعلتها عليه حكوماتها، فهي تجعل منهم محاربين أو مواطنين أو بشرا متى أرادت ذلك ، وتجعل منهم سوقة أو أراذل إذا ما عن لها ذلك - لهذا السبب فان كل أمير يحتقر رعاياه يفقد بفعل ذلك شرفه مبيّنا بدلك أنه لم يستطع أن يجعل منهم أناسا جديرين بالاحترام. كونوا إذن بشرا إذا أردتم أن تحكموا بشرا فإذا أردتم أن يطيع الناس القوانين أحرصوا على أن يحبوها، بحيث يقومون بالواجب حالما يخطر ببالهم وجوب القيام به . "
ج ج . روسو
أ - المسلمات ا لضمنية:
يقوم موقف روسو في هذا النص على جملة من المفترضات المسلم بها ضمنيا من ذلك :
- أن الإنسان قابل للاكتمال
- أن كل ما يصدر عن " أعماق الإنسان " وعن إرادته لا يكون إلا كليا وخيرا .
- أن الإنسان يفتقر إلى سلطة سياسية لأن الإنسان في المجتمع لم يعد على طيبته التي يفترض أنه كان عليها في "حالة الطبيعة" بل تشوّه.
- أن مقصد روسو الصريح هو أن ينعم المواطن في ظل السلطة بالاستقلالية. ويفترض ذلك ضمنيا نفي العلاقة الخارجية بين الطاعة و القانون و الإقرار بعلاقة تلازمية بين القانون و الإرادة. و الإرادة المعنية في هذا السياق هي إرادة غير قابلة للمساومة و التنازل ومعبرة عن جوهر الإنسان.
- أن المواطن هو الشخص الذي لا يقتصر سلوكه على مطابقة آلية وخارجية للقانون بل هو من يكون سلوكه نابعا من باطنيته و إرادته ومطابقا للإرادة العامة (بناء على قوله في النص : " يقومون بالواجب ... في وجوب القيام به ".
- إنه من الضروري التفريق بين القانونيّة والمشروعية في الحديث عن السلطة السياسية (بناء على ما ورد في النص من نقد للحكومة التي " لا هم لها غير الطاعة " وبناء على قوله بشأن المشروعية "... مبينا بذلك أنه لم يستطع أن يجعل منهم أناسا جديرين بالاحترام ".
ب - ا لتبعات:
مما يترتب عن موقف روسو في هذا النص :
- أن التربية عملية ضرورية في إكساب الفرد صفة المواطنة، فالمواطنة ليست معطى بديهي بل هي مكسب يتحقق بفضل عملية تربوية شاقة ومتعقلة.
- إن وجود الدولة أمر ضروري ومتأكد لتحقيق هذا المطلب ( لاكتساب صفة المواطنة ) ذلك أن " المرغوب فيه " الذي يمثل بالنسبة لروسو قيمة مرجعية لا وجود له في وعي الفرد ولا في الوعي الجمعي بصفة تلقائية بل يوجد في ظل الحكومة كمؤسسة. يلزم عن ذلك أن دور الدولة لا يتمثل في تطويع النفوس بل وظيفتها تربوية ( تتمثل في مساعدة الذات على الانفتاح على الكلي ) و أخلاقية ( تتمثل في جعل المواطن قادرا على أن يقوّم عقلانيا القوانين فيخضع لها بمقتضى الاستقلالية لا بمقتضى الإكراه والقسر الخارجي ).
- التأسيس " لحكومة " مثالية لا تستمد شرعيتها من الإكراه والعنف بل من إرادة المواطنين . إن اعتماد الغائية كفكرة ناظمة يسمح بتقويم ا لوضع السياسي القائم ويمكن من الانفتاح على أفق تتحقق فيه الفضيلة ومن أوجه هذا التقويم أنه خلافا لما عليه الحال في الحكومات الواقعية فان السياسة الحق لا يمكن أن تكون قائمة على الديماغوجية التي يتلاعب فيها الساسة بأهواء الناس قصد ضمان استئثارهم بالسلطة، ومن أوجه هذا التقويم كذلك اعتبار أن السلم الحقيقي لا يكون عنفا. إن السياسة ليست مجرد تقنية تصرف في الحيلة الاجتماعية يعهد بها إلى أخصائيين وخبراء بل يجب أن تكون حقا فضاءا لتحقيق غايات أخلاقية تتمثّل أساسا في استقلالية المواطن .
3 - نص لأفلاطون من محاورة " تيتاتوس " ( انظر النص )
أ- المسلمات الضمنية:
إن قراءة معمقة لنص أفلاطون هذا تسمح بالكشف عما تستند إليه أطروحة الكاتب فيه من مسلمات ضمنية أهمها:
- أن الحقيقة مطلوبة لأن حتى بروتاغوراس نفسه يطلبها ولكن نوع طلبه لها يجعله يفقدها.
- أن الحقيقة واحدة (لا تقبل التعدد والنسبية).
- تصور ضمني للوجود يقرّ بمقتضاه أفلاطون أن الوجود في أساسه ثابت قار وان ما هو متغير ليس إلا المظهر.
- أن دور الخطاب يكمن في قدرته على قول الوجود وأنه بالتالي لا ينبغي الخلط بين الوجود و المظهر.
- كما يمكن الكشف عن المسلمة الضمنية الأساسية للأطروحة المقابلة ( التي يدحضها أفلاطون في نصه ) وتتمثل في الإقرار بالطابع البراغماتي النفعي للحقيقة ، كمقياس تقدّر به قيمتها.
ب - التبعات:
لموقف أفلاطون في هذا النص تبعات نذكر منها :
- تبعات ابستمولوجية (من وراء دحضه للنسبوية السفسطائية يهدف أفلاطون إلى وضع الأسس الانطولوجية و الابستمولوجية " للعلم "، بحيث يكون للخطاب مرجع أنطولوجي ثابت (يمثل الحقيقة)، وعندها يصبح التحاور ممكنا، وهدا ما يهيّئ لقيام العدل بين أفراد المدينة.
- من تبعات الأطروحة المقابلة ( الأطروحة السفسطائية ) التي يدحضها أفلاطون في نصه تعارضها مع مبدأ الهوية ( وبالتالي مبدأ عدم التناقض ) وهو ما يجعل العلاقة بين الناس علاقة صراع بلاغي يهدف أولا و آخرا إلى إفحام الخصم ( أي إلى الغلبة ) فتنتفي بذلك كل الحظوظ لقيام تواصل حقيقي .
- أن هناك حاجة متأصلة إلى العدل لدى الإنسان وهو ما يوجب ضرورة محاربة العنف والظلم .
4- نص أرسطو : " الإنسان حيوان سياسي ":
أ- المسلمات ا لضمنية :
يقوم موقف أرسطو في هذا النص على جملة من الإقرارات الضمنية نذكر منها :
- إقرارا بأسبقية المجتمع على الفرد الإنساني.
- إقرارا بأن العقل ( لوغوس ) هو ما يجعل المدينة أمرا ممكنا لأنه بدون العقل لا نطّق وبدون النطق يتعذر التمييز بين العدل والظلم وبالتالي بين الخير والشر.
- ما يوحد بين البشر هو " اللوغوس " فالاشتراك في مشاعر الخير والشر لا يكون إلاّ عن طريق اللوغوس .
- إقرارا بان الوجود السياسي للانسان يقوم على منظور غائي ومعياري للطبيعة يتلخص في أن الطبيعة قد خصّت الإنسان بالقدرة على النطق بما هو شرط إمكان توحيد البشر داخل أكمل أشكال الوجود الاجتماعي ألا وهو " المدينة"
- إقرارا بتصور مزدوج للإنسان فهو عقل ( لوغوس ) من جهة وأهواء من جهة أخرى ( وذلك بناء علّى قوله بأن الإنسان يشترك مع بقية الحيوانات في التصويت الذي يشير إلى الألم واللّذة.
ب - التبعات :
من أهم ما يترتب عن موقف أرسطو في هذا النص :
- إذا كان أساس المدينة ينبني على خاصّية النطق الإنسانية فإنه يترتب عن ذلك أن العلاقات البشرية يجب أن تنبني على ما به يكون الإنسان كائنا ناطقا. ( أي العقل ) وإلا أفضى ذلك إلى انتظام التجمع البشري وفق التصويت أي وفق الصراع وطبقا لمبدأ اللذة و الألم فيكون المجتمع مجتمعا حيوانيا.
- حتى تكون المدينة فاضلة لابد من الاحتكام إلى العقل ، وعدم تحقق اللوغوس في تنظيم الشأن السياسي من شأنه أن يُحدث طوارئ من قبيل تشوه السياسي المتمثل في طغيان الظن وسيطرة الأهواء المفضية جميعها إلى تفشي مظاهر الصراع و العنف .
- ضرب المنظور السفسطائي للسياسة من جهة كونه يقوم على نظرة اصطلاحية للشأن السياسي .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2nd يونيو 2013, 05:24 من طرف nadhem
» إلى أين تسعى ياجلجامش؟
27th سبتمبر 2012, 01:21 من طرف احمد حرشاني
» لست أدري! لست أدري!
27th سبتمبر 2012, 01:14 من طرف احمد حرشاني
» تلخيص مسالة الخصوصية والكونية
5th ديسمبر 2011, 01:04 من طرف احمد حرشاني
» شواهد فلسفية: الانية والغيرية
5th ديسمبر 2011, 01:03 من طرف احمد حرشاني
» شواهد :الانظمة الرمزية
5th ديسمبر 2011, 01:02 من طرف احمد حرشاني
» شواهد :الانظمة الرمزية اللغة
5th ديسمبر 2011, 01:02 من طرف احمد حرشاني
» شواهد :الانظمة الرمزية المقدس /الأسطورة
5th ديسمبر 2011, 00:57 من طرف احمد حرشاني
» شواهد من اقوال الفلاسفة عن الصورة
5th ديسمبر 2011, 00:53 من طرف احمد حرشاني